الحرب الاقتصادية كلفتها محدودة، ونتائجها مؤثرة ومنتجة في كثير من الأحيان بعكس الحرب العسكرية. الغرب أخذ قراره بفتح الجبهة الاقتصادية على مصراعيها ضدّ إيران. التصعيد في العقوبات الدولية من جهة، والاحادية من جهة أخرى، سواء من جانب الولايات المتحدة الأميركية أو دول الاتحاد الأوروبي هدفه واحد، وهو دفع طهران نحو التعاون مع المجتمع الدولي بدءاً من الملف النووي. استحالة الحرب العسكرية وقدرة إيران بالضغط على جبهتين مفتوحتين هما افغانستان والعراق معاً في وقت واحد، دفعت الغرب للبحث عن البديل. واشنطن وجدت هذا البديل والأهم تمكنت من إقناع روسيا بالانخراط مبدئياً في هذه الحرب الاقتصادية.
واشنطن أقنعت موسكو عندما أكدت لها أنّ مصالحها ليست مستهدفة الآن ولا على المدى الطويل من جهة، ومن جهة أخرى ان إيران نووية قائمة على حدودها أخطر عليها من الآخرين. إيران تستطيع متى دخلت نادي الدول النووية أن تتحوّل إلى مظلة أمنية وسياسية للجمهوريات الإسلامية القديمة في الاتحاد السوفياتي المنحل. عندما تتكلم المصالح، تسقط كل اللغات الأخرى.
الرئيس أحمدي نجاد سارع إلى التصعيد ضد القوى الجائرة معلناً ان إيران ستقطع دابرها. لكن يبدو وهو يتوعّد هذه القوى، انه لم يلتفت كثيراً وراءه إلى جبهته الداخلية، حيث الاعتراض يتحوّل إلى معارضة حقيقية ضدّ سياسته الاقتصادية. من بيت أبيه ضرب نجاد. رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، اعترض علناً على سياسة الرئيس. بالمبدأ لا يمكن مقاومة الأعداء، إذا لم يتم تحسين الوضع الاقتصادي. الاقتصاد هو عماد الجبهة الداخلية في كل أنحاء العالم.
الاقتصاد الريعي الذي يطبقه وينفذه أحمدي نجاد يقلق الأوساط الإيرانية. المعارضة الخضراء حذّرت كثيراً من هذه السياسة التي تؤدي إلى شراء القواعد الشعبية من جهة وتخلخل عملية الإنتاج من جهة أخرى. لاريجاني موافق على المبدأ فقال الوضع الاقتصادي يتدهور، إيران بلد غاز ونفط، لكن الازدهار لا يكمن في الجلوس على سجادة من ذهب وتوزيع المال على الناس، العدالة الاجتماعية تعني ضمان الوظائف للجميع لا تقديم المال إلى الناس شهرياً، ينبغي استخدام هذا المال لتطوير الإنتاج الاقتصادي في البلاد. ما يقوله لاريجاني بديهي جداً في علم الاقتصاد. لكن حتى هذه البديهيات تبدو مغيبة في إيران ـ أحمدي نجاد.
الوحدة القومية حول الملف النووي في إيران، لا تكفي لمواجهة الغرب، المطلوب وحدة الجبهة الداخلية. الاقتصاد تحوّل إلى نقطة أخيل في الجبهة الداخلية الإيرانية، والغرب يصوّب حالياً على هذه النقطة للفوز في الحرب المفتوحة ضدّ النظام النجادي في إيران.
إعلان البازار الاضراب بداية. حتى لو نجح النظام في احتواء هذا الاضراب، فإنه يبقى نجاحاً موقتاً. كلما تصاعدت مفاعيل الحرب الاقتصادية، نمت معارضة البازار، العمود الفقري للاقتصاد وللنظام معاً. فشل الانتفاضة الخضراء في ضمّ البازار إليها، هو الذي أوقف حركتها ونموّها السريع. الآن كل شيء ممكن، انضمام البازار إلى المعارضة لاحقاً من بوابة تعرض مصالحه للخطر يقلب الموازين.
الرئيس أحمدي نجاد وزع المليارات، وهو يتابع حالياً توزيع ما يمكنه. سياسته في رفع الدعم عن الكثير من السلع وأبرزها البنزين، وتوزيع المعونات على الإيرانيين تطرح أسئلة مشروعة حتى بالنسبة لأكبر الدول عراقة في ديموقراطيتها. من هذه الأسئلة: ما هي المعايير والمقاييس في اختيار المستفيدين من هذه الاعانات؟ مَن هي الهيئات والشخصيات التي تقوم بتوزيع الأموال بالمليارات؟ مَن يضمن نزاهتها، علماً ان المال فاسد ومفسد في مثل هذه الحالات. أيضاً المال الموزّع يتطلب الاستمرارية، لأنه يتحوّل إلى مخدّر يومي للمطالب الشعبية. ما هو البديل لتوقف ضخ هذا المخدّر؟ وكيف يمكن ضبط شرائح واسعة من المجتمع اعتادت الإعانات بدلاً من العمل اليومي المنتج؟
بعد شهر رمضان، أي في أواسط أيلول المقبل، سيتم رفع الدعم الحكومي عن العديد من السلع ومنها: الخبز، المياه، الحليب، السكر، الكهرباء، النقل العام وأخيراً وليس آخراً البنزين.
هذه المواد مشتركة لدى كل شرائح المجتمع الايراني، من المؤكد أن الشرائح الفقيرة ستصاب في الصميم، لأن كل هذه السلع تشكل جزءاً أساسياً وضرورياً من حياتها اليومية. عندما لا يعود بإمكان الايراني من جنوب طهران قبل شمالها الحصول على الدعم الحكومي المتمثل في ستين ليتراً بنزيناً في الشهر، يعني أن تكلفة تنقلاته سترتفع أربع مرات، في بلد مثل ايران حيث المسافات شاسعة، تصبح التكلفة ضخمة جداً وتشكل عبئاً لا تتحمّله الطبقة المتوسطة فكيف بالفقيرة منها؟
في طهران خيابان (بولفار) ولي عصر يبلغ طوله نحو45 كلم. الايراني يعرف جيداً أنه الضحية الأولى لمثل هذا السلاح ضده. من الطبيعي جداً أن ارتفاع تكلفة النقل ستنعكس سلباً وبقوة على اسعار كافة المواد الغذائية بما فيها الخضر والفواكه وباقي المواد مثل الرز والسكر وغير ذلك.
التوقعات الايرانية الرسمية وليس الغربية: أن نسبة التضخم سترتفع الى ثلاثين في المئة. يجب أن يؤخذ في حساب ارتفاع التضخم، التكلفة المتزايدة للتحويلات المالية. حتى الآن كانت التكلفة تصل بسبب العقوبات الى 18 في المئة، حالياً وبعد القرار 1929 ستصل النسبة الى ثلاثين في المئة. ايضاً التضييق على النقل الجوي، سيجبر الايرانيين على التحول باتجاه الشركات الأجنبية، مما سيرفع تكلفة النقل الجوي عليهم. الايراني العاديّ يستفيد من خفض التكلفة على الخطوط الايرانية التي سيُحرم منها تباعاً.
العقوبات المشددة ستضاعف أيضاً اقتصاد التهريب الموجود أصلاً، وزارة الاقتصاد الايرانية تقول ان أرقام هذا الاقتصاد تضاعفت منذ العام 2005 ووصلت الى 19 مليار دولار وهو مرشح للتضخم أكثر فأكثر. مافيا التهريب الايرانية والدولية خصوصاً الروسية تجني وستجني ثروات أضخم من هذه العمليات. تداخل المافيات مع مراكز القوى داخل كل الأنظمة وبطبيعة الحال الايراني منها يزيد تعقيد المشكلة والمواجهة معاً.
الحرب ضد إيران مفتوحة ومتعددة. إيران بدورها لا تقف مكتوفة الأيدي، لذا سترد أينما استطاعت. من افغانستان إلى لبنان مروراً بالعراق الذي هو حالياً المركز من كل الساحات المكشوفة. حتى الآن نجحت إيران بتسجيل نقاط عديدة لمصلحتها، وهي قادرة على الصمود والتصدي. لكن كل الحسابات تنهار متى اصيبت الجبهة الداخلية مباشرة. المشكلة ان الرئيس أحمدي نجاد يعتقد ان النصر قريب على القوى الجائرة، ولا يرى ويتابع الشرخ الذي يتعمّق في الجبهة الداخلية الذي بدأ مع انتخابه للرئاسة ولم تتم معالجته. الصعوبات الاقتصادية الجديدة قد تحوّل هذا الشرخ إلى خط زلازل يقلب المعادلات في وقت غير معلن ولا متوقع، فتكون المفاجأة قاتلة، وتكون الخسارة فادحة خصوصاً ضد القوى الجائرة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.