8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

رسائل معركة الشجرة وصلت مضمونة.. وخيارات حزب الله تضيق

انتهت معركة الشجرة، دون أن تقع الحرب. مرّة أخرى يتأكّد وبالنار، أنّ كل الضجيج حول اشتعال الحرب اليوم قبل الغد، ليس أكثر من حملة مكثفة الهدف منها الإبقاء والمحافظة على التجييش الشعبي والجاهزية النفسية والعسكرية ضدّ العدو. الخسائر العسكرية الإسرائيلية التي وقعت في 12 تموز 2006 التي أشعلت الحرب، أقل نسبياً من خسائر معركة العديسة. الفرق ان الحرب كانت جاهزة عام 2006، بينما حالياً ما زالت في طور التجهيز والتحضير بانتظار المتغيرات التي سيتم بناء القرار عليها. الواقعية تفرض القول، ان المعركة أدّت وظيفتها بنجاح واضح. كل الأطراف أوصلت رسائلها إلى الجهة التي أرادت إيصالها لها.
الجيش اللبناني، تصدّى للعدو الإسرائيلي. أخذ المبادرة بالمواجهة. عملياً أعاد قرار الحرب والسلم إلى الدولة. كان الجيش على مستوى المهمة. واجه، قاتل، استبسل جنوده وضباطه، حققوا معادلة جديدة على أرض المواجهة، استحق التقدير والدعم، لم يبق أمامه سوى متابعة ما بدأه، لأنه لا يكفي قرار واحد لصناعة مسار تاريخي.
حزب الله لم يقع في الفخ الإسرائيلي. بقي تحت الأرض، ملتحفاً بالشرعية اللبنانية الممثلة بالجيش الوطني. لم ينجرّ إلى المواجهة، حسب التوقيت الإسرائيلي، بذلك لم يكشف صدره أمام اليونيفيل، أي المجتمع الدولي. إسرائيل كانت تنتظر بفارغ الصبر ظهور مقاتليه على الأرض، فكيف بمشاركتهم حتى تصرخ عالياً أمام المجتمع الدولي بالسقوط النهائي للقرار 1701 على يد الحزب وليس على يديها من خلال اختراقها اليومي جواً وبرّاً وبحراً.
الدولة اللبنانية بكامل مؤسساتها الدستورية تحرّكت بفاعلية. رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، عقد مجلس الدفاع الأعلى وأعطى أوامره بالقتال مهما كان الثمن لمواجهة العدوان الإسرائيلي. رئيس الوزراء سعد الحريري تحرّك واتصل بعواصم القرار الدولية والعربية لمنع إسرائيل من تطوير المعركة إلى عدوان واسع وشامل، ونجح في هذه المهمة التي ليست جديدة على بيته.
إسرائيل استطلعت بالنار الموقف. لم تحقق نجاحاً كانت تسعى إليه. لا حزب الله انجرّ إلى ما خططته، ولا قوات الأمم المتحدة اندفعت إلى كسر قواعد الاشتباك التي تقيّدها. لو نجحت إسرائيل في توسيع المعركة، لكانت سارعت إلى الأمم المتحدة للمطالبة على الأقل بتغيير قواعد الاشتباك التي تقيّد قوات اليونيفيل بحيث تنتقل إلى دور القوّة التي تفرض الأمن بدلاً من القوّة التي تحفظه.
تقدم الجيش اللبناني إلى دائرة القرار في المواجهة، ليس قراراً استثنائياً أو معزولاً عن مسار التطورات السياسية الجارية في البلد، ومحيطه الجغرافي العربي. زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس بشار الأسد إلى لبنان لا يمكن إلا أن تكون لها مفاعيلها على مجمل الوضع اللبناني. ليست الزيارة والقمّة الثنائية أو الثلاثية مجرد مظاهرة سياسية، هي قرار سياسي كبير نضج على نار هادئة مستمرة منذ أكثر من سنة كاملة. لذلك لا يمكن لكل الأطراف اللبنانية وفي مقدمها حزب الله إلا الأخذ بكل حيثياتها ومفاعيلها مهما بلغت درجة المكابرة وحتى التمنع.
الموجودون في دوائر القرار وعلى تماس حقيقي مع دمشق يرون ان دور سوريا في لبنان خصوصاً في ظل القمة الأخيرة للملك عبدالله والرئيس بشار الأسد هو دور الضامن للاستقرار العربي في لبنان وانه جرى ويجري من أجل تحقيق هذا الاستقرار المطلوب مصالحة للدور السوري مع اللبنانيين. من هنا فإنّ دمشق اليوم تعمل على إدارة الاستقرار وليس إدارة الأزمة مع استمرار ثوابت معينة لدمشق ومنها حماية المقاومة وسلاحها.
المشكلة إذاً ليست في المهمة السورية، وإنما لدى حزب الله، الذي يجد نفسه مؤخراً بأن خياراته أصبحت محدودة، فهو غير قادر على الانقلاب على الحكومة أولاً لأنها تحميه في مواجهة الخارج، وثانياً لأنّ دمشق غير مستعدة لقبول ذلك لأنه لا يتناسب مع أجندتها، ولا هو قادر على الانقلاب على اليونيفيل لأن الظروف غير متوافرة خصوصاً وان ذلك سيؤدي إلى وضعه في مواجهة العالم الخارجي، وأخيراً لا يمكنه القيام بـ7 أيار جديد لأنه لا يوجد طرف في مواجهته أولاً، وثانياً لأنّ دمشق بعد أن تحوّلت إلى ضامن للاستقرار عربياً وحتى دولياً لا تقبل بحصوله. أكثر من ذلك، ان 7 أيار أنتج للحزب ندوباً في صورته خصوصاً العربية منها، لكنه ربح منه اتفاق الدوحة. السؤال: ماذا سيربح الآن من مثل هكذا معركة؟.. مزيداً من الندوب فقط.
مأزق حزب الله أنه نجح في إدارة الصراع عندما خاضه منذ 2005 حتى التحوّل الأخير باتجاه الدور السوري الجديد في لبنان، لكن كما يبدو منذ التصعيد الأخير الذي من أساسياته الموقف من المحكمة الدولية، التي سبق أن وافق عليها في مجالس الوزراء وفي هيئة الحوار، انه لا يحسن ولا يجيد إدارة التسوية. قواعد وشروط إدارة التسوية مختلفة جداً عن إدارة الصراع، ويبدو حالياً ان الحزب لم يلتقط فعلياً هذا الفرق ولذلك لم يقنع أحداً، أكثر من قاعدته التي ليست بحاجة للإقتناع بموقفه.
تغيّر قواعد اللعبة في لبنان ومحيطه، لا بد أن تنتج لاعبين قادرين على فهم القواعد والتعامل معها. ليس من الضرورة أن يكون اللاعبون طارئين. من الطبيعي جداً أن يكونوا متواجدين على المسرح ويجيدون الحركة لأنهم يلتقطون بسرعة ونجاح تحول المسارات. لا شك ان الرئيس نبيه برّي، أكد في هذه الأزمة أنه، كما يصفه سياسي خبير بالرئيس الدكتور للمعالجة السياسية، الرئيس، الدكتور صنع معادلة س + س، وهو الآن يمسك بكلمة السر للأزمة، ولذلك فإنّ دوره في دوزنة المسارات مهم جداً خصوصاً لدى توأمه السيامي حزب الله. بهذا يبقى الوضع مضبوطاً مهما بلغ التصعيد، ولا يصل في أي لحظة إلى تعريض لبنان للانقلاب أو للحرب، طالماً ان القرار بالحرب لم يتخذ في عواصم القرار الدولية، خصوصاً في واشنطن قبل تل أبيب.
الدور السوري الجديد في لبنان، بدأ ولم يكتمل. بعد الاستحقاقات المقبلة سيتم تثبيت هذا التحوّل، الذي لا يمكن لأحد، وحزب الله منهم إلا أخذه بالاعتبار. ما يعزّز ذلك ان طهران تعرف وتسلم لدمشق بهذا الدور، على أمل أن تحظى هذه الدولة غير العربية بموقع ودور مماثل في العراق لدور دمشق في لبنان.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00