ليست أحادية "حرب الخلافة" داخل اليمين في فرنسا، فاليسار بأطيافه العديدة يعيش على وقع "حرب" قديمة داخل الحزب الاشتراكي الذي أكد في الانتخابات الأخيرة انه أكبر الأحزاب الفرنسية شعبية مع حصوله على نحو 29 في المئة من أصوات الناخبين.
و"الحرب" داخل الحزب الاشتراكي تدور منذ اللحظة التي أعلن فيها ليونيل جوسبان انسحابه من الحياة السياسية، فقد تدافع "فيلة" الحزب لاحتلال الواجهة خوفاً من "الذئاب" الصاعدة وخاصة السكرتير الأول فرنسوا هولند. ولذلك عندما فاز الاشتراكيون ومعهم أعضاء "عائلة" اليسار الديموقراطي، قال العديد من "الفيلة": "الفرنسيون أرادوا معاقبة حكومة جان بيار رافاران الثانية، ونحن قطفنا الثمرة". ولكن عندما نجح فرنسوا هولند في صياغة الفوز في الانتخابات الأوروبية رغم خلو حقيبته من أي برنامج سياسي، لم يكن أمام "الفيلة" و"الذئاب" في الحزب سوى الاعتراف بأن فرنسوا هولند قد "حقق انتصاراً شخصياً".
رغم هذا الاعتراف، فإن السؤال المطروح قبل هذين الفوزين وبعدهما هو: هل كسب هولند شرعية القيادة؟، وترجمة هذا الشعار داخل التجمعات والتيّارات هو: هل لدينا قائد حقيقي أي مرشح حقيقي لرئاسة الجمهورية وقادر على الفوز؟.
أمام هذا السؤال، تبدأ مسيرة حرب الخلافة. فرنسوا هولند سارع لاستثمار النصر معلناً أن مؤتمراً استثنائياً للحزب سيعقد في كانون الأول من العام 2005، مردفاً هذا الإعلان بقوله: "أمامنا ثلاث سنوات بدون استحقاقات انتخابية، يجب أن تكون معارضة لها صدقية، وقوة سياسية تملك الرؤى والأمل". لكن عقد مؤتمر استثنائي لم يلاق قبولاً من أعضاء نادي المسترئسين، فاضطر الى التراجع لفظياً مؤكداً أن اجتماعاً عاماً يساوي مؤتمراً استثنائياً. وبقيت التساؤلات حول موعد المؤتمر العادي للحزب. هذا الخلاف بين المؤتمر الاستثنائي والعادي ليس على الشكل، وإنما هو يدور على المشكلة الأساسية وهي من يسمي المرشح للرئاسة؟.
دومينيك ستراوس الذي كان وزير المالية الأسبق ونجا من السجن في فضيحة مالية، وهو الأكثر التزاماً بإسرائيل، لا يخفي طموحه الكبير للرئاسة، لكنه يعلم أن لوران فابيوس صديقه هو العقبة الكبيرة أمامه، ولذلك تقول أوساطه: طالما أن فرنسوا هولند يحلم لا يستطيع لوران فابيوس التقدم. وهذا يمنحنا الوقت لنلعب ورقتنا وهي المرشح غير المنتظر.
بدوره، فإن لوران فابيوس، وهو أصغر رئيس للوزراء في تاريخ فرنسا بعدما فضله فرنسوا ميتران على كل "فيلة" الحزب ولسحق ميشال روكار، فإنه يعترف بعضوية هولند في نادي المرشحين لكنه يفلسف صعود سكرتير عام الحزب بقوله "انه يربح لأنه على رأس مجموعة من الأصدقاء الذين يعملون دون أن يكون أحدهم مخدوعاً في مكانه ودوره، لكن متى أخطأ هولند وغيّر هذه القاعدة فإنه سيسقط بالضربة القاضية".
وترجمة هذا الكلام الخارج من القاموس الميتراني (نسبة الى فرنسوا ميتران): "متى أصبح هولند سياسياً يعد ولا يفي بوعوده مثل الآخرين، سأكون جاهزاً للانقضاض عليه".
مارتين أوبري، السيدة الحديدية في الحزب وابنة جاك ديلور "الفيل" الكبير الذي رفض الرئاسة التي قدمت إليه على طبق من فضة، تقف في جبهة الداعمين لهولند رغم ان بيغولين زوجة الاخير تنافسها على الزعامة النسائية وتبدو مرشحة محتملة لرئاسة الوزارة في أي عهد اشتراكي. تقول مارتين اوبري: "ليتابع هولند هكذا، ولنضع برنامجناً وسيقودنا الى النصر".
يبقى ليونيل جوسبان الذي يطل برأسه من وقت الى آخر، وكأنه يريد أن يلعب دور المنقذ الذي يأتي اليه الجميع طالبين منه العودة والمنافسة على الرئاسة. وإذا كان جوسبان لا يتكلم إلا في القضايا الكبيرة، فإن أوساطه تقول فرنسوا هولند سكرتير أول جيد وهذا يشبع رغباته. وباختصار متى قرّر جوسبان العودة فإن فرنسوا هولند سيمد له السجادة الحمراء ويقنع بدوره سكرتيراً اول للحزب وربما رئيساً للوزراء.
وأخيراً فإن يسار الحزب الذي لا يطمح زعيمه هنري ايمانويلي للترشح يردّد: "ليتميز كل واحد منا بعمله، وبعد ذلك نرى من يقود السفينة". أما الذين يحركون قواعد الحزب، فإن "ذئابهم" التي تعتبر انه من المبكر الدخول في السباق يردّدون جملة فرنسوا ميتران الشهيرة: "دعوا الوقت للوقت"!.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.