8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الملف النووي والتهديد الإسرائيلي وراء التصعيد الإيراني في الخليج

وضعت إيران سقفاً محدوداً للتصعيد مع البريطانيين في شط العرب، لتستطيع التحرك تحته بحرية، لتحقيق جملة أهداف استراتيجية، دون حاجة بها لتصعيد ينذر بمواجهة مفتوحة. وقبل أن يجف حبر تصريحات إيرانية تصعيدية، كان وزير الدفاع الاميرال علي شامخاني يقول: "لقد وقع ما وقع بسبب خطأ في قيادة المركب". وبذلك انتفت النوايا السيئة للبريطانيين، وأصبح إقفال الملف مجرد إجراءات تقنية بين الدولتين.
وهذا التصعيد الإيراني المحسوب بدقة لم يأتِ بدون تمهيد ولا إنذار. فقد حصل توتر بين طهران وقطر والإمارات أولاً، ثم انتقلت إلى شط العرب فاعتقلت جنود البحرية البريطانية، مع العلم انها ليست المرة الأولى منذ عام، التي يحدث فيها مثل هذا الخطأ البحري سواء عن عمد وسابق تصور وتصميم أم لا. ولا شك في أن طهران التي لا وجود لخلافات أو مزايدات داخلية بين القوى السياسية المتصارعة فيها حول كل ما يتعلق بالأمن الاستراتيجي والقومي الإيراني، قد تعمدت هذا التصعيد لتقول للبريطانيين إن "السباحة" في مياه شط العرب ممكنة مهما كانت درجة حرارة الموقف فيها مرتفعة. ولكن عندما يتم تجاهل مصالحها القومية، فإن باستطاعتها رفع حرارة هذه المياه لتغلي لتحول دون التحرك فيها بدون حذر ولا قلق.
ومن الطبيعي أن ارتفاع درجة حرارة مياه شط العرب، انما جاء في سياق التصعيد الأوروبي حول الملف النووي الإيراني. ومع أن باريس، حاولت مراراً وتكراراً التأكيد لطهران، أن التشدّد الأوروبي، هو للحؤول دون تصعيد أميركي تحت حجة عدم تنفيذ الإيرانيين تعهداتهم بكل ما يتعلق بالملف النووي، فإن طهران اعتبرت ان هذا التصعيد سياسي، وأن المطلوب كما قال حسن روحاني المشرف على ملف المفاوضات مع الترويكا الأوروبية هو "إغلاق الملف بصورة تقنية وقانونية". وبدلاً من ان تبقى إيران سجينة المطالب الأوروبية سارعت للقول إن "على أوروبا العمل الآن للوفاء بتعهداتها"، والمقصود بذلك عدم الانجرار تحت الضغط الأميركي وتبني مطالب غير واقعية.
وإذا كانت الحدود المغلقة في شط العرب هي التي فتحت الممر للمواجهة بين البحريتين الإيرانية والبريطانية، فإن السبب الأساسي، هو أن بريطانيا تشكل الحلقة الأضعف ضمن الترويكا الأوروبية أمام السياسة الأميركية ومطالبها. كما انها تشكل في الوقت نفسه الحلقة الضعيفة في جنوب العراق حيث قواتها. ولذلك فإن الضغط عليها في جنوب العراق هو لوقف اندفاعها الأميركي أساساً.
وحتى لا تفسر هذه المواجهة البحرية المحدودة بأنها تشكل تغيراً عميقاً في الموقف الإيراني من الوضع في العراق وخاصة الجنوب منه، أكد الرئيس محمد خاتمي "أن إيران تريد الهدوء والاستقرار في العراق، وقيام حكومة شعبية تمثل جميع القوميات فيه". وهذا الإطار العام للموقف الإيراني مع ما يستتبعه من نشاطات تصب في خانة التهدئة والهدوء خاصة في النجف مع حركة السيد مقتدى الصدر و"جيش المهدي"، لا يعني أن ذلك يمكن أن يتم بدون ثمن، ومثل كل الدول التي تعرف كيف تحافظ على مصالحها القومية وأمنها الوطني، فإن إيران وكما أبلغت لندن "لا تقبل بتجاوزها في الترتيبات الأمنية والاقليمية في المنطقة".
واستكمالاً لهذا المطلب الذي يعني المشاركة الأمنية في الحدود، فإن مصادر ايرانية كشفت ان ما يقلقها هو تزايد النشاط الاسرائيلي خاصة الأمني في العراق، حيث اخذ بالتمدد من الشمال الكردي إلى الجنوب الشيعي. وهذا النشاط الأمني الاسرائيلي الكثيف تحت المظلة الأميركية يقلق طهران بقوة، خاصة مع وجود مخاطر مخطط اسرائيلي لتفجير حرب شيعية ـ شيعية وسنية ـ شيعية وكردية ـ عربية، وذلك بعد أن تبين للاسرائيليين فشل المشروع الأميركي في العراق. وهذا الخطر الحدودي يمتد حكماً إلى الداخل الايراني، سواء بما يتعلق بالملف النووي وإبقاء اليد الاسرائيلية على الزناد لضرب المواقع النووية الايرانية، أو للتدخل تحت دعاوي مختلفة للعمل على تغيير النظام. وكيفية وقف هذا التمدد الاسرائيلي هو الذي يشغل مراكز الأمن الايراني وقواه.
ومما يعزز الشكوك الايرانية من هذا التمدد الاسرائيلي، ان يكون بتكليف ودعم من القوى المحافظة الأميركية المتشددة التي كانت تعتبر ان بعد نجاحها في العراق فإن "المكافأة الكبيرة لها ستكون ايران"، فوجدت نفسها الآن وبعد فشلها في العراق وإمكانية عدم فوز جورج بوش في الانتخابات الرئاسية وقد أصبحت على أبواب فشل ايديولوجي حاسم لسنوات طويلة.
توصل طهران ولندن إلى حلّ قضية جنود البحرية البريطانية لا يعني أبداً اقفال ملف شط العرب وجنوب العراق. ولذلك كلما شعرت طهران بأن هذا الجنوب يتحول إلى "سندان" في ظل "مطرقة" الملف النووي المفتوح أميركياً، فإنها ستدفع باتجاه التصعيد في "شط العرب" أو في الداخل الايراني علناً أو سراً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00