المفاجأة الوحيدة في هذا العنف غير المسبوق والمتوقع في العراق، هذا التنسيق الواضح في عمليات التفجير على امتداد خمس مدن، تتجاوز جغرافيا "مثلث الموت"، الذي يضم بعقوبة ـ الفلوجة ـ الرمادي، ليصل الى الموصل حيث وقعت اعنف الانفجارات وبغداد. وهذا التنسيق، في عمليات القتل والرعب يشكل تحولا بارزا وخطيرا في عمل المجموعات المسلحة سواء منها من اذرعة "المقاومة" او المنظمات الارهابية ورمزها الأول الزرقاوي. ذلك انه حتى هذا التاريخ، بقيت العمليات المسلحة والتفجيرية، حلقات غير مربوطة بعضها ببعض، اما الان فانه يمكن الكلام عن "سلسلة" مترابطة دقيقة التخطيط والتنفيذ المصحوبة بارادة مصممة على القتل الاعمى في معظم الحالات.
وهذا التطور الميداني الخطير على أبواب الاسبوع الأخير من عملية "انتقال السيادة" الى العراقيين، هو التعبير الدموي عن السباق القاتل مع الوقت، بين قوات التحالف وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية، وكافة اطياف المقاومة والمجموعات الارهابية. ذلك ان القيادة الاميركية، ومعها الحكومة المؤقتة برئاسة اياد علاوي تعمل على بناء "الذراع المسلحة" للحكومة الانتقالية التي ستعد للانتخابات التشريعية في مطلع العام المقبل. وهذه الذراع المسلحة يجب ان يصل تعدادها 200 الف رجل، تضم القوات المسلحة والامن والشرطة والدفاع المدني، وبذلك يصبح للنظام العراقي المقبل قواته القادرة على المواجهة. ولا شك ان علاوي يعرف جيدا أهمية العمل الامني في ضبط الوضع داخل العراق، وذلك نتيجة لتجربته السياسية والحزبية السابقة على خروجه من النظام العراقي السابق ودخوله في المعارضة وفي الجناح المدعوم من الاستخبارات المركزية الاميركية (سي.اي.ايه)، ولذلك فانه اكثر المرشحين قدرة على المضي قدما وبسرعة في استكمال تشكيل هذه القوة. وبهذا التحول، يكون الاميركيون قد عوضوا الخطأ التاريخي الذي ارتكبوه عندما احتلوا العراق، وهو حل الجيش العراقي وكافة التشكيلات الامنية، مما اسقط العمود الفقري للدولة العراقية.
ولا شك ان الأوضاع الاقتصادية المتردية تساهم في تسريع بناء هذه القوات، وتبدو الترجمة المباشرة لها في المجتمع العراقي، تجاوز البطالة نسبة النصف من قوى الشعب العامل، مع ما تحمله هذه البطالة ومظاهر الاحتلال واستمرار العجز في تقديم الخدمات العامة الاولية من ماء وكهرباء وأخيرا وليس اخرا تضخم الهم الامني بعدما تحولت شوارع المدن والطرقات الرئيسية التي تربط بغداد بالمحافظات الثماني عشرة الى افخاخ متنقلة من السيارات المتفجرة. فقد ساهم كل ذلك في اندفاع المتطوعين بكثافة الى مراكز التطوع. ففي ظل هذا الوضع يصبح راتبا يصل الى 400 دولار للجندي، "كنزاً" يستحق كل انواع المخاطرة.
بدورهم، فان الاميركيين، الذين يسرعون عملية اعادة انتشار قواتهم، خارج المدن ومختلف خطوط التماس مع السكان المحليين، وذلك لتنفيذ عملية التسلم والتسليم، يريدون من ذلك كله، سحب جنودهم من مواجهات الطرق والمدن الخاسرة عسكرياً حسب كل اعراف حروب المقاومة.
وهذا النجاح يحقق لهم تخفيف خسائرهم الى ادنى حد، بحيث لا يطل ايلول، الموعد الحاسم مع التحولات العميقة للرأي العام الاميركي من الانتخابات الرئاسية، الا وقد خرج العراق من هم التداول اليومي للاميركيين، فيرتاح الاميركيون والرئيس المرشح جورج بوش.
وكلما قوي عدد القوات المسلحة العراقية الجديدة التي ستبقى بطريقة او بأخرى تحت اشراف القيادة الاميركية فان الحرب في العراق ستتحول الى حرب عراقية ـ عراقية، لا تعود خسائرها ذات حساب في اليوميات الاميركية.
هذه هي حيثيات السباق القاتل مع الوقت. المقاومة العراقية والمنظمات الارهابية تريد ضرب وابطاء بناء القوات العراقية المسلحة بكل الوسائل وابرزها بث الرعب في هذا الجسم العسكري غير المكتمل، ليبقى ضعيفا، كذلك دفع المتطوعين الى حساب الربح والخسارة من انضمامهم الى القوات المسلحة بمختلف افرعها، ودفعهم الى تفضيلهم السلامة مع البطالة والجوع على الموت من اجل راتب لا يصل الى واحد على 25 من راتب "مرتزق" اجنبي يخدم حالياً في العراق.
سباق الموت، بين ارادتين لا مكان لواحدة بوجود الأخرى، ينذر بتصعيد دموي تزداد فيه يوميا خسائر العراقيين حتى يأتي فجر جديد يكون العراق فيه حراً سيداً ومستقلاً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.