8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

شيراك يتدخل للجم "ساركو"

يجب إبعاده. هذه هي كلمة السر التي اجتاحت البرلمان والماتينيون (مقر رئاسة الوزراء) وسرعان ما ارتفعت نار الحرب التي كان من المفترض أن تبقى مضبوطة حتى العودة من عطلة الصيف.. والمطلوب إبعاده هو نيكولا ساركوزي.
نيكولا ساركوزي وزير المالية، أعلن الحرب باكراً، فطموحه غير المحدود، لم يعد خاضعاً لقواعد الصبر. وهو بعد أن تحول الى "سوبر وزير" في الاقتصاد، يستطيع جمع أكثر من 200 نائب من الغالبية اليمينية أي نحو الثلثين الى مائدته في بيرسي مقر وزارته المشرفة على "السين"، كشف أوراقه مطالباً بزعامة حزب الغالبية الرئاسية خلفاً للآن جوبيه الذي يستعد للخروج من الحياة السياسية إذا ما جددت محكمة التمييز الحكم الصادر بحقه بالسجن وإنزال حقوقه المدنية لعشر سنوات كاملة.
جاك شيراك، الذي تحمّل خلال أربعة عقود كاملة من العمل السياسي، شخصيات عديدة، وسامح أصدقاء خانوه ودعم آخرين في محنهم باسم الوفاء، لا يستطيع لأسباب منها شخصية ومنها سياسية، تحمّل "ساركو" خليفة له. ولذلك قرر دخول الساحة مباشرة ومن دون وسطاء لوقف اندفاع "ساركو" لخلافته، عبر وضع يده على الحزب الذي ولد بعد انتصار الجمهورية غداة الدورة الثانية لرئاسة الجمهورية التي شهدت للمرة الأولى جان ماري لوبن زعيم اليمين المتطرف، مرشحاً منافساً على الرئاسة.
ومما زاد من دوافع شيراك للدخول الى ساحة "الحرب" بكل أسلحته، أن نواباً عديدين قالوا في اجتماعات علنية وبأصوات عالية "وحده ساركوزي يستطيع أن ينقذنا".
شيراك، الذي يبقى عملياً زعيم الغالبية اليمينية، استدعى "المنقذ"، ووضعه أمام خيارين أحلاهما مرّ، الأول: لا أحد يمنعك. تريد رئاسة الحزب. لن ينافسك أحد. لكنك لا تستطيع الجمع بين الرئاسة والوزارة. عليك أن تختار. والاختيار ليس صعباً بالنسبة لساركو وإنما هو شبه مستحيل. ذلك انه إذا ترك "بيرسي" أو وزارة الاقتصاد، في هذه المرحلة وبعد نحو 100 يوم أو أكثر على توليه أصعب الوزارات وأدقها، فإن كلمة السر التي ستتحوّل الى أعاصير ضده: "لقد هرب". لقد ترك السفينة وهي أعالي البحار والعواصف، ليحمي طموحاته وينفذ أهدافه الشخصية. فكيف تثق بشخص يفضل مصلحته الشخصية على المصلحة العامة.
وإذا أخذ رئاسة الحزب بسهولة، فإن لا شيء يؤكد عدم انفجار التيارات وتحويل الحزب الى حزبين أو ثلاثة مما سيسعد "الديغوليين الأرثوذكس" الذين كتموا غضبهم أصلاً عندما قبلوا بحل حزب "التجمع من أجل الجمهورية". وبذلك يكون ساركو قد خسر الوزارة وثقة الفرنسيين العاديين به ولم يربح الحزب. بالعكس فإن الحزب الذي يريد تحويله الى حصن يتحصن فيه ليقفز منه الى الأليزيه، سيتحول الى صليب له ينهي أحلامه وطموحاته.
ساركوزي، الذي وجد نفسه بين سندان رئاسة الحزب، ومطرقة التخلي عن وزارة الاقتصاد، بدأ يقدم نفسه كضحية للموقف الشخصي لشيراك منه. لعله بهذه الصورة يدفع الخائفين من اليمين الحاكم الى الالتفاف حوله وتشكيل قوة ضغط على شيراك لتغيير موقفه، خصوصاً أن الجمع بين رئاسة الحزب والوزارة ليس محرما في الجمهورية الخامسة.
وقد ذهب أنصار ساركوزي في جمع الدعم له الى درجة الاستنجاد بالتاريخ غير البعيد للجمهورية الخامسة. فهم، ومعهم فيلة من الحزب الاشتراكي، يردون على شيراك بعدم ارتكاب غلطة فرنسوا ميتران، عندما دفعه حقده وكراهيته لميشال دوكار حتى لا يكون خليفته في الأليزيه، الى دفع بيار موروا لترؤس الحزب الاشتراكي بعد أن تحول الى أطلال، وتسمية أديث كريسون رئيسة للوزراء لتكون بذلك أول امرأة تتسلّم هذا المنصب، ولتعلن بعد سنوات انها نادمة على قبولها دخول قصر الماتينيون. وكل هذه التغييرات، لم تنجح في فتح الطريق أمام الطفل المدلل لميتران لوران فابيوس، بالعكس، فتحت أبواب الأليزيه أمام جاك شيراك.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00