8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هموم الفرنسي في زمن اليورو

يُفضّل الفرنسي العادي، عندما يُسأل وهو عائد من عطلة الصيف الطويلة الى عمله، أن يبدأ السائل، من "الأخبار السيئة" وما أكثرها، ثم بعدها يأتي دور "الأخبار الجيدة" وما أندرها!
فهذا الفرنسي الذي يعد لعطلته الصيفية بأدق تفاصيلها من حيث الزمان والمكان والميزانية، يعلم جيداً بفضل خبرة السنين الطويلة، أن سلسلة من الأخبار السيئة تنتظره سواء في علبة بريده أو عبر وسائل الإعلام، فلماذا يبدأ إذن بالأخبار الجيدة أليس من الأفضل ترك القليل من الفرح الى النهاية لتعويض مرارات البداية!
والطبيعي جداً، أن يكون أول الغيث في الأخبار السيئة، المزيد من الرسوم والضرائب. وأول ما يلاحظه أربعة ملايين باريسي مثلاً يركبون المترو صباحاً ومساء الى أعمالهم، أن سعر "البطاقة البرتقالية" للتنقل، قد ارتفع بين اثنين وثلاثة في المئة وأحياناً أكثر بقليل. فهذه الزيادة السنوية مع نهاية الصيف أصبحت مثل لازمة الأغنية التي بدونها لا تستقيم. وما أن يفتح هذا الفرنسي علبة بريده حتى يكتشف أن رسوماً أخرى قد ارتفعت ومنها الضريبة على التلفزيون في المنزل، نعم يدفع الفرنسي رسماً يصل الى مئة يورو سنوياً عن كل جهاز تلفزيون يملكه في منزله، وقد يتفنن نيكولا ساركوزي وزير الاقتصاد والمالية والضريبة، هذا العام رغم اهتمامه باستقطاب أصوات الفرنسيين تمهيداً للانتخابات الرئاسية، فيعلن الضريبة التي يطالب بفرضها بعض الخبراء، وهي على D.V.D بعد أن زالت أيام الفيديو ولم يعد على الموضة، ثم تأتي رسوم البلديات، وكل ذلك ليس سوى غيض من فيض، خصوصاً عندما ترتفع نسبة الضريبة التصاعدية في نهاية العام. ورغم ذلك فإن هذا الفرنسي العادي سيبلع الظلم ويبتسم، فقد اعتاد على الأسوأ خصوصاً في زمن اليورو حيث ارتفعت الأسعار أكثر من عشرين في المئة.
الفرنسي العادي الذي يحاول تناسي السياسة وهمومها يتابع بدقة تفاصيل الأحداث الصغيرة، التي قد لا تعنيه مباشرة وإنما على الأقل تمس هموم عائلته حاضراً ومستقبلاً، ومن خلال أن "الكارثة القضائية" في قضية شبكة الأطفال انتهت بأحكام براءة لمعظم المتهمين لكن بعد أن بقي 13 متهماً أكثر من سنة في السجن، وأدت الاتهامات وظروفها في قرية لا يتجاوز عدد سكانها الألف الى دمار أكثر من عائلة. فقد تنكّر الأبناء لآبائهم أولاً والأصدقاء ابتعدوا وانفصلوا عنهم، والآن بعد أن ظهرت براءتهم، ماذا تنفع الاعتذارات فقد تهشمت العلاقات وتلطخت بالاتهامات والأقاويل!
وأمام هذه الكارثة القضائية، سارع وزير العدل بيار دوبيربان الى الإعلان عن تشكيل لجنة من القضاة والمحامين وعلماء النفس والاجتماع، لإصلاح قانون الجنايات. كما أكد أن قرارات إصلاحية تم الاتفاق عليها قبل أن يصدر الحكم وبعد أن تبيّن أن متهمة واحدة ولأسباب نفسية في صغرها، هي التي ورطت الجميع. ومن بين هذه الإصلاحات تكليف قاضيي تحقيق بدلاً من واحد فقط للتحقيق في القضايا الشائكة، لئلا تبقى نقطة عالقة أو إذا ما غابت عن القاضي. كما أن مواجهة يجب أن تتم بين المتهم المعتدي والمعتدى عليه حتى ولو كان طفلاً، وهذه الإصلاحات بداية لإصلاحات إجرائية وتنفيذية، قد لا تمنع الخطأ الذي يصل الى درجة الخطيئة لكن على الأقل تحول دون وقوع انهيار مثل هذا الانهيار الذي ضرب قرية بكاملها بزلزال أقوى من أي زلزال طبيعي على ميزان ريختر.
وعندما يبدأ الفرنسي عمله في مطلع أيلول، سيجد نفسه في قلب حسم القرار النهائي من مسألة إلغاء أو تعديل قانون العمل الخاص بـ35 ساعة والذي وضعته مارتين أوبري. فقد اقتنع أركان اليمين الفرنسي وضمناً بعض الاشتراكيين، أن هذا القانون قد قلّص ساعات العمل وأخر الإنتاجية العامة، دون أن يحقق مكاسب حقيقية سواء للعمال والموظفين أو لأرباب العمل. ولأن الحكومة الحالية أو المقبلة لا تريد أن تضرب بجرة قلم قراراً سيحوله الاشتراكيون الى ضحية يدفعون النقابات العمالية للانتقام له بمزيد من الاضرابات العامة، فإن النقاشات تدور حول الصيغة المثلى. ويبدو أن هذه الصيغة وجدها جان بيار رافاران رئيس الوزراء في كلمة للرئيس شيراك ضمن حملته الانتخابية الرئاسية وهي: من يريد من الفرنسيين أن يزيد دخله يستطيع ان يعمل أكثر! ولذلك فإن الاتجاه نحو الإلتزام بالساعات الإضافية المحدودة، التي ترفع دخل العامل، وفي الوقت نفسه يعفى أرباب العمل من دفع الرسوم على هذه النسبة الجديدة من زيادات الأجور. ويبدو أن هذا الحل يلاقي استحساناً لدى الفرنسيين العاملين، والدليل أن شعبية جاك شيراك ارتفعت ولأسباب أخرى إضافية خلال الأسابيع الماضية بعد هبوط قوي.
يبقى إذا كان الفرنسي يهمه معرفة مصير رئاسة "حزب الأغلبية من أجل الرئاسة"، ومصير نيكولا ساركوزي السوبر وزير الطامح لرئاسة الحزب في وقت خيّره شيراك بين موقع من الموقعين، فإن هذا الهم يقع ثقله أساساً على شيراك وأركانه. فالقضية تعنيه أساساً لأن في قلبها تكمن الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2007.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00