8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

العلامة البريطانية الفارقة في 14 تموز

احزر مَنْ سيتقدم فرق الجيش الفرنسي في استعراض 14 تموز من هذا العام في باريس؟
إنها الفرقة الأولى من الحرس الملكي البريطاني بقيادة الكابتن جايمس دوسان جوبرايس. وهذا الامتياز الاستثنائي الذي تمنحه باريس كل عام لقوات دولة حليفة، خصصته هذا العام لبريطانيا، لأن العام 2004 يصادف ذكرى اتفاقية "الوفاق المتين" التى شاركت فيها الملكة اليزابيت، عبر زيارة دولة استثنائية لفرنسا، وبين السبعين ضابطاً وجندياً بريطانياً والأحصنة الستين التي ستتقدم الحرس الجمهوري الفرنسي وكافة فرق القوات المسلحة، في ظل العلم الفرنسي الذي ستشكله الطائرات المقاتلة في الجو، سيكون هناك مجموعة من الجنود البريطانيين العائدين من العراق.
الكابتن جوبرايس، المولود من أم فرنسية ووالد بريطاني، أشرف على تدريب ضباطه وجنوده في الاستعراض الذي لا تزيد فيه الفواصل الزمنية بين فرقة وأخرى عن دقيقة واحدة، وذلك على طول جادة الشانزليزيه، الممتدة من ساحة شارل ديغول ـ الاتوال حيث قوس النصر إلى ساحة الكونكورد حيث المسلة الفرعونية، ومدرج الرئاسة، مروراً بطبيعة الحال بتمثال شارل ديغول أمام المتحف الكبير في ساحة كليمنصو. وقد أكد في نهاية التدريب: ان اللحظة التي سيقدم فيها التحية أمام مدرج الكونكورد ستكون أكبر لحظة في حياته العسكرية، لأنه يعرف معنى المشاركة في هذا الاستعراض! وأشار الكابتن برايس إلى ان تحضيرات الأحصنة والثياب الحمراء والقبعة المصنوعة في القوقاز والأحذية المصنوعة خصيصاً للفرقة تقتضي سبع ساعات عمل كاملة، إذ ان القيادة العسكرية لا تقبل ولو بقايا الغبار على أحذية الجنود، وأضاف "لا تعتقدوا اننا فقط فرقة للاستعراضات فحسب، فنحن نشكّل وحدة استطلاع عسكرية معروفة بكفاءتها العالية منذ تشكيل الحرس عام 1660".
الاستعراض العسكري في احتفالات 14 تموز والذي يعد الأهم في العالم، أصبحت تفاصيله معروفة، ذلك ان أكثر من خمسة آلاف ضابط وجندي يشاركون فيه، من كل الوحدات العسكرية، بما فيها الفرقة الأجنبية التي لا تنفصل إلى فرقتين أمام المنصة الرئاسية كباقي الفرق، وهذا يعني بالنسبة إلى جنود الفرقة التي تتكوّن من المتطوعين من جميع الجنسيات، أن لا شيء يفرقهم، حتى احتفالات 14 تموز.
لكن هذا الاستعراض الرائع في تنظيمه وجماله وفي أجمل جادات العالم، له ما يميزه كل عام، وخصوصاً أن المناسبة تبقى خاضعة للتغيرات السياسية والاجتماعية، واستعراض العام 2004، هو كما أطلق عليه اسم "وفاق الكونكورد". ويبدو ان هذا "الوفاق" ليس سوى لساعات قليلة، وبعدها يعود كل شيء إلى "غليانه وخصوماته" لكون الحياة السياسية الفرنسية تعيش فوق "نار الخلافة الحامية".
الرئيس جاك شيراك، سيلتقي أبرز الصحافيين في التلفزيون، فور انتهاء الاستعراض العسكري، ولدى اكتمال حلقات المدعوين إلى قصر الاليزيه. وكما جرت العادة، فإن الرئيس يحدد في لقائه الخطوط الأساسية لسياسته العامة، إلا ان سبب "الحرب" الدائرة داخل اغلبيته حول الخلافة في "حزب الأغلبية الرئاسية"، فإن الفرنسيين ينتظرون كما قال أمين عام الحزب فرنسوا باروان، وهو يعتبر "الابن المدلّل" لشيراك ليقول الرئيس شيراك "ماذا يريد من فترة رئاسته المتبقية ليوجهنا، نحن بحاجة إلى بوصلة".
وهذا الكلام الصريح لباروان، جاء عقب قيام نيكولا ساركوزي، الطامح الأكبر لخلافة آلان جوبيه، وبالتالي لجاك شيراك، بتقديم نفسه زعيماً له حضوره وبرنامجه قبل 14 تموز مستبقاً في ذلك كلام الرئيس شيراك، وهو قال: "فرنسا لا تخشى التغيير، إنها تنتظره"، مضيفاً وهو على أبواب المؤتمر العام للحزب "نريد أن نعرف خلال المؤتمر ما هي أسباب بقاء الحزب، ما هي حدود حرية تعبير الحركات داخل الحزب، ما هي فرص التيارات في التشكّل، ما هو البرنامج السياسي؟". "الشيراكيون"، اعتبروا كلام ساركوزي "كلاماً واقعياً" لكنهم استدركوا انه باحتفاله بـ14 تموز قبل 14 تموز، " قد نفخ عضلاته، وهذا تصرّف للصغار".
لكن الأهم وفي اطار احتفالات 14 تموز، ان خلافاً علنياً دار أيضاً بين نيكولا ساركوزي ووزيرة الدفاع اليو ـ ماري حول ميزانية الجيش، فساركوزي وزير المالية يرى "ان الجيش يكلف كثيراً ويجب خفض ميزانيته في مرحلة عصر النفقات"، وكان طبيعيا أن تدافع وزيرة الدفاع عن ميزانيتها، ويبدو ان شيراك يقف إلى جانبها.
وفي محاولة لدفع الجيش لكسب ودّ الباريسيين وقلوبهم، فإن الحاكم العسكري لباريس الجنرال مارسيل فالنتان ورئيس بلدية باريس الاشتراكي برنار دلينوي قررا هذا العام أن تتوجه كل الوحدات المشاركة في استعراض 14 تموز إلى الدوائر العشرين في باريس لعزف الموسيقى والاختلاط بالباريسيين الذين يمضون الليل وهم يرقصون في الساحات، كما ان الفرقة الحادية عشرة التي تعتبر فرقة التدخل السريع في الجيش الفرنسي، ستقوم بعمليات إنزال بالمظلات في ساحة الانفاليد إذا لم يخنها الطقس.
وبين "وفاق الكونكورد" والوفاق المنشود من الجيش الفرنسي مع الباريسيين، فإن "الوفاق السياسي"، مؤجل كما يبدو حتى العام 2007.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00