8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

امرأة توقع فرنسا في هيستيريا جماعية!

حدث احتفالات 14 تموز في فرنسا، كان يجب أن يكون تقدم فرقة الحرس الملكي البريطاني وموسيقاهم، عرض الجيوش الفرنسية في جادة الشانزليزيه. لكن امرأة سيبقى اسمها الكامل مجهولاً لدى الفرنسيين، سرقت الأضواء كلها، لأنها تحوّلت إلى قضية دولة، اضطر الرئيس جاك شيراك أن يتحدث عنها بانفعال وتشدّد أثناء الندوة التلفزيونية، وأن يقدم اعتذاراً ضمنياً، وهو يقول: "عندما يقع تلاعب يجب معاقبة من قام به".
المرأة هي ماري ال. وبداية قصتها ـ القضية، انها تقدمت مع مطلع الأسبوع الحالي بشكوى إلى مركز الشرطة في احدى ضواحي باريس المكتظة بالجاليات العربية والافريقية مفادها ان ستة شبان عرب وأفارقة مزودين بالسكاكين، اعتدوا عليها في القطار، وانهم بعدما اعتقدوا انها يهودية، قاموا بقص شعرها ورسموا الصليب النازي المعقوف على صدرها، ورموا ابنها الرضيع من عربته، والأفظع من ذلك ان جميع ركاب القطار، لم يحركوا ساكناً، والتزموا الصمت، وكأنهم يتفرجون على مشهد سينمائي. ولأن صديقها رافقها إلى مركز الشرطة، وأكد روايتها، فإن كل فرنسا أصيبت، كما اعترفت الأوساط السياسية والإعلامية "بهستيريا جماعية". فالحادثة ليست مجرد اعتداء يقع مثله العديد في قطارات باريس إنما هو جريمة من درجة "معاداة السامية".
الرئيس جاك شيراك كان قد دان معاداة السامية في كلمة له قبل 24 ساعة من الحادثة، في اطار نشاط سياسي غير مسبوق اطاره العام تصاعد الأعمال المعادية للسامية وكذلك للإسلام والمسلمين، مما يهدّد بصدامات خطيرة بين اليهود والمسلمين، أما العمق الحقيقي له فهو تطويق خطة إسرائيلية لدفع اليهود الفرنسيين إلى مغادرة فرنسا إلى إسرائيل تحت حجة الخوف من معاداة السامية الأخطر بكثير من انعدام الأمن وغياب السلام بسبب الانتفاضة الفلسطينية.
وأمام هذا التطور وسقوط فرنسا في فخ محكم نسجته امرأة واحدة، أصدر جاك شيراك بياناً طالب فيه بـ "القيام بكل ما يلزم لاعتقال منفذي هذا العمل المشين ومحاكمتهم ومعاقبتهم بكل شدة"، مشدداً على ضرورة "تنشيط الجهود لمكافحة أحط جوانب الطبيعة البشرية". وشكّل كلام شيراك، كرة الثلج المتدحرجة من أعالي جبال الخوف من معاداة السامية فلم يبق سياسي ولا مسؤول ولا صحيفة إلا وعلّق عليها مطالبين بإنزال أقصى العقوبات بالمعتدين وتحويلهم إلى "أمثولة" لكل من تسول له نفسه اللعب بنار "معاداة السامية".
لكن اتهامات ماري إل. ليل الاثنين الذي تحوّل إلى هيستيريا إعلامية اجتاحت كل صحف فرنسا محتها تحقيقات القضاء في اليوم التالي، إذ تبين بعد توجيه نداء إلى الشهود الذين رأوا الاعتداء في القطار ان القصة مفبركة، وأن للضحية التي تحوّلت إلى متّهمة بعد اعترافها بأنها "اختلقت الرواية بكاملها" سوابق عديدة أخفّ منها.
وهنا، وجد الفرنسيون أنفسهم كم كانوا أسرى الخوف الجماعي من كلمة "معاداة السامية"، فالمفروض أمام مثل هذه الحادثة، ألا يصبّ السياسيون الزيت على النار، وأن يترووا ويتأكدوا من صحة الرواية لتنهمر بعد ذلك سيول الادانات. لكن وكما أثبتت الحادثة، يكفي عود ثقاب واحد لاشعال بركان الخوف والقلق من الماضي وامتداداته في الحاضر. واختصرت "جماعة مناهضة التمييز العنصري" (مراب) الوضع بقولها "نندد بقوة بالتصريحات غير المسؤولة التي انتهزت الفرصة لاستخدام معاداة السامية أداة ضد جماعة محددة من الناس". و"الجماعة" هي بطبيعة الحال أبناء الضواحي من العرب والأفارقة، الذين يصرخون منذ فترة طويلة بأن حملة منظمة ضد الضواحي وسكانها، وأيضاً معادية للإسلام، تتصاعد يومياً، وأن الستارة التي يختبئ وراءها منظمو الحملة هي محاربة معاداة السامية.
أمام هذه "الحالة الهيستيرية الجماعية"، كان المفروض، كما قالت الصحف الفرنسية، تقديم "اعتذار جماعي". وفي اطار هذا "الاعتذار" ادانة السياسيين الذين يتزاحمون ويسرعون للرقص على وقع الاعلام. أما السياسيون ومن ضمنهم الناطق الرسمي باسم الحزب الاشتراكي جول دراي فقد رأوا ان الإعلام ورّط الجميع وكان على السياسيين التروّي والتحلّي بالصبر حتى يتم التأكد من صحة الاتهامات".
مَنْ خدع مَنْ؟ الإعلام أم السياسيون؟! ليس الأمر مهماً، المهم ان فرنسا مريضة، مثلها مثل الضحية ـ المتهمة التي طالبت والدتها بإنزال العدالة بها وإرسالها إلى مستشفى نفسي لمعالجتها بدلاً من سجنها ستة أشهر!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00