"بحزن وأسف وتفهم" تلقى الرئيس جاك شيراك استقالة آلان جوبيه من رئاسة "حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية" وأكمل شيراك هذا "الرثاء السياسي" لجوبيه، الذي كان يعتبر حتى أمس "الخليفة الطبيعي" له في زعامة اليمين الديموقراطي ومن ثم في قصر الأليزيه رئيساً للجمهورية في العام 2007 بتجديد "صداقته وتقديره واحترامه له". وقد اختار جوبيه أن ينهي حياته السياسية كرجل دولة يقف عند كلمته ولا يقبل انتظار حكم محكمة الاستئناف وهو رئيس لحزب الأغلبية كيلا يتأثر القضاة بموقعه، فتأتي براءته من تهمة تمويل "التجمع من أجل الجمهورية" بطرق شرعية أو على الأقل حذف قرار المحكمة بحرمانه من حقوقه المدنية لمدة عشر سنوات، نتيجة لهذا التأثر!
وإذا كان جوبيه قد اختار هذه النهاية الكبيرة بعد ثلاثين عاماً من العمل السياسي، تولى خلالها رئاسة الوزارة، فإن جاك شيراك الذي يخوض "حرب الخلافة" بكل قواه، بعد أن أخذ في حساباته المسبقة قرار جوبيه هذا، أصيب بلا شك "بضربة قاسية جداً، ذلك أن "سفينة" الأغلبية الرئاسية، تبدو وكأنها فقدت "ربانها" وهي في أعالي المحيطات.
وهذا الوضع الصعب والخطير بالنسية الى الأغلبية الرئاسية يرجح أن تكون نتائجه كارثية في العام 2007، كما توقع العديد من زعماء اليمين الديموقراطي. فاليسار وتحديداً مرشح الحزب الاشتراكي قد يفوز في الانتخابات الرئاسية، ليس لأن مرشح اليمين ضعيف ومرشح اليسار قوي، ولكن لأن اليمين فقد بوصلته والدليل أن هذا اليمين نفسه خسر استحقاقين انتخابيين، علماً أن اليسار اعترف بأنه لم يكن يملك برنامجاً سياسياً مقنعاً، وأن الاقتراع كان لمعاقبة اليمين فقط.
آلان جوبيه الذي وصفه يوماً جاك شيراك بأنه "الأفضل بيننا"، انضم الى فريق عمل الأخير عام 1976. وهو لم يبتعد عنه طوال هذه العقود الثلاثة.
وجوبيه الذي لا تنشر الصحف عادة الشهادات التي حصل عليها أثناء دراسته، لأن ذلك يتطلب "عموداً" كاملاً، يوصف بأنه "حاسوب متنقل بلا مشاعر على الرغم من أنه تطور كثيراً في السنوات الأخيرة، بعد أن دفعه شيراك الى القواعد الحزبية ليعمل معها ويتعلم الصبر في مواجهة المشاكل اليومية. وعندما نضج وأصبح مؤهلاً لخوض معركة الرئاسة، أنهى القضاء بحكم اعتبر أقسى الأحكام التي وجهت الى سياسي حياته السياسية.
آلان جوبيه، تعمد إبلاغ القاعدة الحزبية التي يصل عددها الى 125 ألف عضو، بقراره الانسحاب من الحياة السياسية، وفي رسالة الوداع طالب جوبيه أعضاء الحزب "بالمواظبة على نشاطهم عبر الاحترام المتبادل والبحث بحرارة عن المصلحة العامة لتجاوز التحديات". وفي وقت وصلت "الحرب" لخلافته أولاً ومن ثم شيراك ثانياً على يد نيكولا ساركوزي، الى الذروة، دعا جوبيه الى اختيار "فريق متجانس" خلال المؤتمر العام في تشرين الثاني المقبل.
والمشكلة التي يواجهها الحزب ومن خلفه جاك شيراك، أن الأوفر حظاً لتسلم رئاسة الحزب هو نيكولا ساركوزي "السوبر وزير" حالياً.
والواضح أن شيراك لا يريد أن يسمع بوصول ساركوزي الى الحزب الذي كان عملياً ثمرة جهوده طوال ثلاثين عاماً. وأن يتحول هذا الحزب بعد أن اتسعت قاعدته من خلال حل "التجمع من أجل الجمهورية" نفسه وانخراطه في الحزب الى "حصن"، يتحصن فيه ساركوزي، فيكمل بناء "قواه وجيوشه" للاستيلاء على "قصر الاليزيه" عام 2007. فالخلاف الشخصي العميق بين شيراك وساركوزي يكاد لا يشبهه سوى الخلاف المدمر الذي وقع بين فرنسوا ميتران وميشال روكار والذي وصل الى درجة أن ميتران صارح المحيطين به يوماً بأنه "مستعد للاقتراع لكلبه وليس لروكار". ولكي يهمش ساركوزي أعلن شيراك في 14 تموز "ان على أي وزير يريد ترؤس الحزب أن يستقيل من الوزارة أو أقيله، فأنا آمر وهو ينفّذ". ولذلك فإن على ساركوزي الاختيار بين الحزب أو وزارة المالية. وإذا ما اختار الهجوم واستولى على الحزب فإن شيراك قادر على إدانته بأنه ترك وزارة المالية وفرنسا أمام استحقاقات اقتصادية ضخمة مفضلاً بذلك مصلحته الشخصية على المصلحة العامة.
الى جانب ذلك فإن شيراك قادر على "إضعاف" ساركوزي عبر دفع قادة التيّارات داخل الحزب للحصول على استقلاليتهم على غرار الحزب الاشتراكي حيث لكل تيار تمثيلاً نسبياً حسب قواعده الحزبية. وبذلك فإن ساركوزي سيكون رئيساً مع مجموعة رؤساء وليس رئيساً أحادياً كما كان جوبيه.
وهذا التكتيك الشيراكي يندرج في إطار استراتيجية تحقير خليفه قادر على الإمساك بالأغلبية الحالية وأن يكون مؤهلاً لخوض معركة الرئاسة. والمعضلة الحقيقية أن الخيارات أمام شيراك قليلة جداً، فهو أمام أسماء محدودة لرئاسة الحزب ومنها فيليب دوست بلازي، وجان لوي دوبريه وجان لوي بورلو وكذلك جان بيار رافاران. وكل هذه الأسماء قادرة على ترأس الحزب لكنها غير قادرة على خوض معركة الرئاسة والفوز بالانتخابات الرئاسية، ولذلك فإنه ليس أمام شيراك سوى "الابن السياسي" الذي تبناه باكراً وهو دومينيك دوفيلبان وزير الداخلية الحالي، وإذا كان الجميع يتفقون على المؤهلات العالية والمهمة لدوفيلبان فإن مشكلته الكبيرة هي أنه لم يصل الى أي موقع سياسي إلا بالتعيين، وهو لم يخض انتخابات من أي نوع أو درجة كانت، ولذلك ليس له أي احتكاك بالفرنسيين العاديين وهو لا يتوانى عن القول بأنه "اختار العمل السياسي بناء لطلب شيراك ولكي يخدم شيراك".
ولذلك ينقل عن أوساط شيراك قولها: "لكي يصبح دوفيلبان مؤهلاً لخوض الانتخابات الرئاسية، عليه أن ينزل الى تحت وأن يحرق يديه بالكستناء" وهذا ممكن جداً، خصوصاً إذا كان لشخص مثل دوفيلبان بكل مؤهلاته وذكائه وتجربته، "معلماً" مثل شيراك. لكن المشكلة أن سيف الوقت طويل وأن الفترة المتبقية قصيرة.
وهنا يقول أنصار شيراك لماذا لا يكون شيراك رئيساً لدورة ثالثة إذا كان هذا الخيار الوحيد!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.