التنافس الاميركي ـ الفرنسي حول المغرب العربي، يبدو، حامياً في كل القطاعات، باستئناء ملف واحد هو ملف الصحراء الغربية. وفي هذا الملف يبدو التقاطع والتوافق بين الموقفين لافتاً وهو يفتح الباب من جديد نحو معالجة واقعية لهذا الملف الساخن وفي ظل براغماتية سياسية تتطور يوماً بعد يوم.
وبعدما بدا ان استقالة جيمس بيكر ممثل الامين العام للأمم المتحدة من ملف الصحراء، كانت بلا وقع، يتبين يوماً بعد يوم، ان هذه الاستقالة قد حركت الوضع مجددا باتجاه العثور على صيغة تخرج الملف من الطريق المسدود، وهذا التوافق الاميركي ـ الفرنسي، حول تحريك الملف وصولاً الى حل اكثر واقعية، يبقى توافقاً على التكتيك مع استمرار الخلاف الاستراتيجي لكون الاهداف النهائية للطرفين مختلفة ومتعارضة كلياً.
ومن الواضح ان البراغماتية السياسية التي طبعت لقاء وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه مع نظيره الجزائري عبد العزيز بلخادم، هي التي سمحت بالاستمرار الطبيعي للمسار المتصاعد والمتنامي للعلاقات بين البلدين، رغم التعارض العميق في المواقف حول الصحراء. ففي حين دعا بارنييه الى حوار مباشر بين الجزائر والرباط حول الصحراء، ما يعني انها مشكلة جزائرية مغربية، فان وزير الخارجية الجزائري اعتبرها قضية من قضايا تصفية الاستعمار، والمشكلة هي بين البوليساريو والمغرب".
باريس استقوت في موقفها من هذا الملف بالتطور البارز في الموقف الاسباني، والذي ابرزه رئيس الوزراء لويس زاباتييرو في الجزائر. فهو دعا الى تسوية ملف الصحراء "في القريب العاجل، واذا كان للامم المتحدة الدور الاساسي فيما توجد في خطة بيكر نقاط ايجابية فان المطلوب احداث اتفاق بين جميع الاطراف للخروج من النفق المظلم". والمقصود بجميع الاطراف تلك "المعنية" والأخرى "المهتمة"، والمقصود الجزائر والمغرب وفرنسا واسبانيا والصحراء الغربية ومن ثم الامم المتحدة. هذا "الدعم الودي" الاسباني كما وصفه بلخادم لفرنسا هو الذي يعزز الاتجاه نحو دفع عملية الحوار المغربي الجزائري، هذا الحوار الذي تريده الجزائر "خارج الوصاية او الوساطة".
لكن من الواضح ان الزيارات الفرنسية والاسبانية المتواصلة الى الجزائر والمغرب، اضافة الى الضغط الاميركي العلني قد دفعت باتجاه الحوار المباشر بين الجزائر والرباط، والدليل ان زيارة ادريس جطو رئيس الوزراء المغربي للجزائر في الاسابيع المقبلة على ان يسبقها زيارة لوزير الداخلية المصطفى الساحل، هي الاولى لمسؤول مغربي على هذا المستوى منذ العام 1924 عندما اغلقت الحدود. وتؤكد المصادر الجزائرية ان هذه الزيارة قد تؤدي الى تحديد القمة المؤجلة للعاهل المغربي الملك محمد السادس مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والتي تعطلت دائما بسبب ملف الصحراء الغربية. ومن الطبيعي ان يكون ملف الصحراء في صلب محادثات هذه القمة، وفي وقت يبدو فيه الرئيس بوتفليقة اكثر قوة وحضورا وتأثيرا في صياغة الخيارات السياسية الاستراتيجية لبلاده منذ اعادة انتخابه للولاية الثانية، وفي ظل دعم فرنسي ـ اميركي له.
فرنسا والولايات المتحدة الاميركية تشجعان الاندماج المغاربي، وتعرفان ان ايجاد حل لمشكلة الصحراء الغربية يشكل الديناميكية الطبيعية للوصول الى هذه النتيجة. ولا شك ان "الحرب الباردة" الجزائرية ـ المغربية، قد ساهمت بقوة في ادخال مشروع الاتحاد المغاربي في "الكوما" منذ سنوات، طبعا الجزائر تنفي ان يكون هذا الخلاف السبب في ذلك فقد سبق لها ووقعت اتفاقية مراكش وقيام الاتحاد، لكن ذلك بقي مجرد مؤسسات بلا حياة، وقد حان الوقت بالنسبة لأوروبا لتفعيل هذا الاتحاد واحيائه على طريق الشراكة الأورو ـ المتوسطية.
كذلك فان الولايات المتحدة الاميركية اصبحت ترى ان الاتحاد المغاربي يمنحها حرية اكبر في الحركة سواء على الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط او على الضفاف الاطلسية لشمال افريقيا، بعد ان اصبحت علاقاتها بالجزائر استراتيجية على الصعيدين النفطي والعسكري، اضافة الى شراكة مفتوحة مع المغرب مع تفهم كامل لعلاقاتها التاريخية مع فرنسا. وجاء التحول الليبي الانقلابي وعودة العلاقات الاميركية ـ الليبية، ليدعم هذا التوجه الاميركي الجديد، ولذلك فان واشنطن كما اكدت مصادر جزائرية ترحب بتعيين ريتشارد مورفي خلفاً لجيمس بيكر مبعوثاً من الامين العام للامم المتحدة.
ولا شك ان عودة الامم المتحدة الى الملف في ظل هذا التوافق الفرنسي ـ الاسباني ـ الاميركي، الى جانب براغماتية جزائرية واضحة في التعامل مع الملفات الساخنة، سيؤدي الى اعطاء الحوار حول الصحراء الغربية دفعا وحيوية تخرج على الاقل العلاقات الجزائرية ـ المغربية من اتون "الحرب الباردة" التي تراوحان فيها منذ عقود.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.