8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

سياسة الخطوة خطوة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

الفرنسيون، وعلى مختلف أطيافهم السياسية والاجتماعية، يعارضون أو لا يحبون أو لا يرغبون بانضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي. ورغم ذلك فإن الرئيس جاك شيراك يؤيد انضمام تركيا، واقفاً شبه وحيد في معركة مفتوحة ضدّ الرأي العام في بلاده، والذي من المفروض أن يواكبه ويرضيه وهو يخوض معركة استمرار "الشيراكية" في قمة السلطة، للسنوات العشر القادمة.
وأمام هذا الوضع، فإن السؤال الكبير هو لماذا الرئيس شيراك يؤيد انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي؟ وكيف سيقنع الفرنسيين بالوقوف الى جانبه، وبالتالي تأييد انضمام تركيا خلال السنوات المقبلة الى العائلة الأوروبية الموسعة والمتعددة؟
من الواضح أن شيراك يعتمد سياسة الخطوة خطوة لتحضير الرأي العام الفرنسي لتبديل موقفه والانتقال الى ضفة المؤيدين لانضمام تركيا الى الإتحاد. ولذلك فإن الترحيب الذي خصّ به رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته لباريس، لم يكن بروتوكولياً فقط، بل جزء من مسار طويل التزمه شيراك. ولعل ما حصل خلال قمة حلف الأطلسي في تركيا يؤشر الى ذلك، فقد أعلن شيراك "ان لا عودة عن القرار بانضمام تركيا". وأكمل ميشال بارنييه وزير الخارجية هذا الموقف بقوله "رغم أن تركيا على الطريق الصحيح لكن طريق انضمامها الى الاتحاد ما زالت طويلة".
اليمين الديموقراطي الفرنسي رفض علناً خلال العملية الانتخابية الأوروبية انضمام تركيا، لانه لا يمكن زرع دولة مسلمة (70 مليون نسمة) في الاتحاد تهدد بتغيير ديموغرافيتها وطبيعتها في المدى الطويل. والإشكالية التي طرحها هذا اليمين وعلى رأسه حزب الأغلبية الرئاسية أي أوروبا نريد؟ ألا يكفي توسيعها شرقاً بحيث أصبحت توأمين غير متكاملين.
أما اليسار وعلى رأسه الحزب الاشتراكي، فإنه اختار "شجرة" المجازر ضدّ الأرمن لتغطية "غاية" رفضه.
فهو يطالب تركيا بالاعتراف بالمجازر ضد الأرمن ليغير موقفه الرافض. والردّ التركي على لسان أردوغان: لنترك القضية بين أيدي المؤرخين.
الحلقة الفرنسية الضيقة المؤيدة لانضمام تركيا الى الإتحاد الأوروبي، والتي تعكس حقيقة موقف شيراك، ترى أن النقاشات رغم حدتها تبقى "غنية ومفيدة". وهي تضيف، في العالم اليوم، ثلاث ديموقراطيات مميزة وهي فرنسا والمكسيك وتركيا. وما يهمنا تركيا فهي دولة مسلمة تمارس العلمنة منذ 75 سنة. وفي زمن يتصاعد فيه إرهاب المنظمات الإسلامية المتطرّفة، من المهم دعم هذه الديموقراطية ـ العلمانية كمثال حيّ ومنتج، يوضع أمام مختلف الدول الإسلامية في العالم. وتضيف هذه الأوساط لو لم تكن تركيا موجودة، لكان علينا إيجادها.
أما لماذا هذا الإصرار على موقع تركيا ومستقبلها في الإتحاد الأوروبي، فيقول المؤيدون إن انضمام تركيا يجعل من بناء أوروبا "أداة لخدمة السلام، مثلما أن المصالحة الألمانية ـ الفرنسية صاغت السلام الأوروبي وأقامت الجسور نحو بناء الاتحاد".
ويضيف أركان هذه الحلقة الضيقة المؤيدة "ان إصرار شيراك، هو من صلب سياسته الذي يعتمد الأسلوب الهادئ في المواجهة، وليس الممارسات الفظة التي يتبعها الرئيس الأميركي جورج بوش، وهذا ايضاً تأكيد لمبدأ حوار الحضارات في مواجهة صراع الحضارات. وهل يوجد مثال حي لهذا الحوار المنتج أكثر من أن تصبح دولة مثل تركيا يصل عدد سكانها الى سبعين مليوناً أكثر من 95 في المئة منهم من المسلمين، دولة أوروبية عاملة وناشطة كاملة الحقوق والواجبات، وجزءاً من أكثر من 400 مليون أوروبي 99 في المئة منهم من المسيحيين؟
طبعاً، المواقف الفكرية والثقافية ضرورية ومهمة في بناء العلاقات بين الشعوب، لكن المصالح هي التي تتكلم في صياغة العلاقات بين الدول. ولذلك فإن الرئيس الفرنسي يركز على أهمية السوق الاقتصادية التركية التي تشهد حالياً نمواً بلغت نسبته 5.9 في المئة خلال العام المنصرم. وأن فرنسا قد أصبحت خلال السنوات القليلة الماضية الشريك الاقتصادي الخامس لتركيا بعد ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية وايطاليا وروسيا. وان الشركات الفرنسية التي كانت تعد على أصابع اليد قبل 15 عاماً أصبح عددها 277 شركة. وهذه مرشحة للنمو أكثر فأكثر خاصة مع بوادر الاتفاق على بيع طائرات ايرباص لتجديد الاسطول المدني التركي. والأهم لاحتمال نجاح المفاوضات حول بناء فرنسا لثلاثة مفاعلات نووية للاستخدام المدني في تركيا.
وأخيراً فإن الرئيس شيراك الذي أكد بعد لقائه أردوغان أن انضمام تركيا أصبح مرغوباً، ذكّر بأن تركيا "حققت تقدماً كبيراً، وعليها ان تواصل إصلاحاتها".
ومن المنجزات التركية الحاضرة، موقف أنقرة البنّاء من القضية القبرصية الذي أزال حاجزاً ضخماً أمام انضمامها. ورفع اسمها من قائمة العجز في المجال الديموقراطي بعد إطلاق ليلى زانا والنواب الأكراد المسجونين. ومن الطبيعي أن الاستقرار السياسي الذي حققه حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان بعد عشر سنوات من التحالفات السياسية المضطربة، يمارس دوراً مهماً في فتح الطريق أمام تركيا.
رجب طيب أردوغان، الذي يعرف جيداً صعوبة موقف الرئيس جاك شيراك، عمل لدعم خطه الهادئ، فقدم التطمينات بأن قرار قمة بروكسل الأوروبية في 17 كانون الأول سيكون "قراراً ببدء المفاوضات للانضمام وليس قراراً بالانضمام".
ولذلك فإن "الطريق الطويل" أمام الانضمام كما يعرف أردوغان يعني انه يجب انتظار خمس سنوات على الأقل وعشر سنوات على الأكثر. المهم، انه لا عودة عن قرار الانضمام!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00