أبقى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في رسالته الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان، على قضية الصحراء الغربية، في القالب المسلح نفسه الذي لم يتغير منذ اشتعال هذا الملف وهو ان "مسألة الصحراء الغربية هي مشكلة تصفية استعمار"، وان حلها يتحقق بتمكين "الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المعبر"، وأنهى بوتفليقة، رسالته الى انان "باللازمة" الجزائرية حول الصحراء، وهي ان المغرب قوة محتلة، والحل يجب ان يحصل بين المغرب والبوليساريو.
هذا الموقف الجزائري المتصلب، ولكن المنسجم مع تاريخ العلاقات بين الجزائر والمغرب و"حربهما" حول الصحراء، لم يشكل في رسالة بوتفليقة فعلا وضعت له نقطة نهاية يقطع الامل والآمال المعلقة على الحل والتي ظهرت مؤخراً، فقد اكمل بوتفليقة رسالته بالقول: "نحن مستعدون لتطوير العلاقات مع المغرب ما استطعنا الى ذلك سبيلا ودون اي شرط مسبق، لانه لا يوجد اي مبرر لتأثير قضية الصحراء على مجمل العلاقات الجزائرية المغربية".
هذه "الرسالة البوتفليقية" الى الأمين العام للأمم المتحدة، هي خلاصة لفن التعامل مع الواقع المتغير بدون التنازل عن الأساسيات، خاصة اذا كان ذلك مرتبطا مع تحولات داخلية، بحيث يمكن لاي تنازل من هذا النوع عكس اتجاه الرياح وبالتالي طبيعة التغييرات ونوعيتها. فالرئيس الجزائري الذي يخوض حالياً معركة التأكيد بانه "لا يقبل بأن يكون ولو ثلاثة ارباع رئيس للجمهورية". اختار رده بعناية شديدة آخذاً بالاعتبار الوضع الدقيق داخلياً في الجزائر وخارجياً حول الجزائر أيضاً.
جزائرياً، استقالة آخر فريق في الجيش الجزائري وهو الفريق محمد العماري، شكل بداية وليس نهاية لمسار التحولات العميقة في التركيبة السياسية الجزائرية. وهذه الاستقالة اذا لم تكتمل بحملة خطوات لاحقة ولو في فترة زمنية معقولة "يتمها"، يفقدها قيمتها. وما قول مولود حمروش رئيس الوزراء السابق والمرشح لرئاسة الجمهورية، بأن التغيير داخل المؤسسة العسكرية هو لمصلحة "العصبة" المشكلة من اجهزة داخل الجيش والاستعلامات والامن، سوى المؤشر لذلك. ومن هنا فان مجيء اللواء فايد صالح (72 سنة) قائد القوات البرية لا يخرج عن التقليد المتبع في السابق عندما تولى محمد العماري وقبله خالد نزار وقبلهما اليمين زروال. والسؤال الان، هل يكون صالح الذي هو آخر الضباط من مجموعة ضباط جيش التحرير رئيس أركان مؤقت تمهيدا لتسمية رئيس اركان قيادة اركان من مجموعة الضباط المحترفين والمدربين في كليات حربية عليا سواء في اميركا او اوروبا ام لا؟ وماذا عن اللواء توفيق مدين مدير المخابرات وهو الطرف الأساسي في سياسة "الاستئصال" ضد الاسلاميين بعيدا عن تطرفهم او اعتدالهم. علماً ان بقاءه او تغييره يعني الكثير للجزائريين لما للجهاز الامني من دور تاريخي في الجزائر.
وفي ظل هذه الحركة التي يقودها بوتفليقة لا يمكنه مطلقاً الظهور بمظهر المهادن والمتهاون في قضية الصحراء الغربية، بخاصة ان هذه القضية في عرف الجزائريين، "هي نتاج التوجه العام للمؤسسة العسكرية ورؤيتها الجيوستراتيجية لموقع الجزائر في شمال افريقيا ودورها في حوض البحر الابيض المتوسط وطموحها التاريخي المشروع في انتماء اطلسي عبر شواطئ الصحراء المطلة على المحيط الاطلسي"، ولعل الاشارة الى ان اللواء صالح، شارك في معارك على الحدود الغربية اثناء الحرب الجزائرية المغربية يؤكد على حساسية هذا الملف.
لكن بوتفليقة الذي استقبل وزير الداخلية المغربي مصطفى الساهل، والذي يستعد لاستقبال رئيس الوزراء المغربي ادريس جطو، وكل ذلك على طريق القمة المؤجلة بينه وبين العاهل المغربي الملك محمد السادس، لم يوصد الباب باتجاه "الرياح الدافئة" القادمة من قلب "المخزن" (القصر الملكي المغربي)، فأبدى ترحيبه بتطوير العلاقات، علما انه ابقى على المبادرة المغربية باعادة رفع التأشيرة عن الجزائريين القادمين الى المغرب بلا جواب فلم يسمع الجزائريون "التصفيق" الذي يريدونه لان يدا واحدة لا تصفق. وفي هذه السلسلة من المواقف التي تؤكد على أسلوب بوتفليقة في مواجهته الملفات الصعبة، تتضح ان الرئيس الجزائري ما زال يأخذ بالاعتبار موقف المؤسسة العسكرية، وفي الوقت نفسه يتعامل مع حاجات الجزائر السياسية والالحاح الدولي بايجابية تحت شعار "لا تترك ملف الصحراء يدفن علاقاتنا، نحن قادرون على تنشيط علاقاتنا واحياء الاتحاد المغاربي"، والرئيس بوتفليقة الخبير الكبير بالشأن الدولي يعرف جيداً اهمية وخطورة "الرسالة" التي وجهها له الرئيس الاميركي جورج بوش لدى استقباله للعاهل المغربي الملك الحسن الثاني "بضرورة حل مشكلة الصحراء الغربية في أسرع وقت ممكن"، وتكتمل اهمية وخطورة هذه الدعوة، بالدور الفرنسي ـ الاسباني المتجدد لقيام حوار مغربي ـ جزائري حول الصحراء، وهو ما عبّر عنه داخل الجزائر وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه، فالجزائر العاملة بقوة للعودة الى واجهة المسرح الدولي لا يمكنها مطلقا صم آذانها عن هذه الدعوات خاصة اذا ما كانت خلفيتها وجوب قيام جبهة عريضة مغربية، جزائرية ـ اوروبية ـ اميركية للحرب ضد الارهاب بخاصة بعد اكتشاف ان المخزون الاحتياطي الخطير للارهاب يقع على هذه الارض التي تمسك بضفتي البحر الابيض المتوسط والمحيط الاطلسي في واقع جغرافي لا يمس.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.