8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"الحركيون" اعترضوا على بوتفليقة وشيراك رحّب بمشاركته بحرارة!

القمة بين الملك المغربي محمد السادس والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بمباركة فرنسية ـ أميركية استثنائية يوم الأحد المقبل خلال احتفالات الذكرى الستين لإنزال الحلفاء في "البروفانس" على الشاطئ المتوسطي لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، كان يجب ان يكون الحدث.
لكن العلاقات الفرنسية ـ الجزائرية المعقدة والتي يتداخل فيها الحب بالكراهية، والعيش المشترك بالحقد، والمصالح الاقتصادية والاجتماعية والثقافية القائمة والضرورية للشعبين، بالحذر والرفض المتبادل، فرضت الحدث، وحولت الاحتفالات كلها بما فيها القمم الكثيرة ومنها واحدة بين الرئيسين جورج بوش وجاك شيراك الى مشكلة فرنسية ـ فرنسية وفرنسية جزائرية، تتعلق بموقف الجزائر من "الحركيين" أي الجزائريين الذين قاتلوا مع الجيش الفرنسي الثورة الجزائرية.
البداية كانت في توقيع اربعين نائباً من حزب الأغلبية الرئاسية الفرنسية "رسالة" موجهة الى وزير الخارجية ميشال بارنييه، يحتجون فيها على مشاركة بوتفليقة في هذه الاحتفالات، ثم انضم اليهم عشرون نائباً من أبرزهم آلان مادلين تحت عنوان كبير هو دعوة الرئيس الجزائري الى هذه الاحتفالات تشكل إهانة لذكرى الذين سقطوا من أجل فرنسا، والتي استمر بوتفليقة في تجاهلهم وحتى اهانتهم". وقد أدت "الرسالة" في هذا الوقت بالذات الى "فتح جروح لم تلتئم منذ حرب الجزائر وبرزت في سلسلة من الردود والردود المضادة".
وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه، ردّ في رسالة موجهة الى نائب باريس كلود غواسكين ونائب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الأغلبية الرئاسية على رسالة النواب الستين قال فيها: "أرى من الضروري، من أجل الجزائر وفرنسا ضرورة تجاوز الماضي، دون نسيانه، من أجل البناء معاً مستقبلاً خالياً من العواطف المسبقة، ما يسمح لشعبينا بوضع كل ما هو مشترك لوحدتهما. ان هذا الطموح، المراد من مسؤولي البلدين وعلى أعلى مستوى يتوافق مع رغبات الشعبين الفرنسي والجزائري".
وذكّر بارنييه بأن مشاركة الجزائر وغيرها من دول شمال أفريقيا وغربها في هذه الاحتفالات هي "للاعتراف من جانبنا لهذه الدول بتقديرنا واعترافنا تجاه الجنود الذين جاؤوا من وراء البحار للمشاركة في تحرير بلادنا عام 1944". وختم بارنييه الرسالة قائلاً "أنا مقتنع بأن علاقات صافية وموثوقة بالجزائر التي تشكل بالنسبة لنا شريكاً طبيعياً من ناحية التاريخ والجغرافيا، ستسمح لنا بالتقدم معاً للإمساك معاً بماضينا المشترك، بما فيه الصفحات الصعبة منه". واعتبر وزير الخارجية الفرنسي بأن عملاً مشتركاً فرنسياً ـ جزائرياً قد أدى حتى الآن الى تحقيق نتائج ملحوظة حول قضايا محدودة منها حرية التنقل "للحركيين" وإعادة تأهيل المدافن الفرنسية في الجزائر، ونشر تقرير الصليب الأحمر الدولي حول المفقودين الفرنسيين خلال حرب الجزائر عام 1963.
وقد استغلت الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة الحدث لتعلن رفضها الكامل لمشاركة بوتفليقة الذي "يبقى من الحرس القديم في جبهة التحرير". كما احتجت جمعية "الاقدام السوداء" وهي التي تضم الفرنسيين الذين غادروا الجزائر بعد الاستقلال.
إلا ان الوزير المكلف بقدامى المحاربين حملاوي مكشرة الذي هو "حركي" قال: لا بد من التأكيد على انه يتعين عدم الخلط بين صفحة التاريخ هذه التي كتبت معاً عام 1944 وغيرها من الأحداث التي تلتها مهما كان وضعها مؤلماً".
ويبدو واضحاً أن هذه "الرسالة" من نواب الاتحاد من أجل أغلبية رئاسية، هي لأسباب انتخابية محلية، إذ ان "الحركيين" أصبح لهم حضور انتخابي مهم في بعض المدن. كما أن الحملة كلها، تهدف الى "فرملة" التقارب الجزائري ـ الفرنسي الحاصل حالياً والذي سيؤدي الى توقيع اتفاقية الشراكة الاستثنائية مطلع العام المقبل، ولذلك تساءلت صحيفة "الموند" في مقالها الافتتاحي عن الهدف "من إخراج قضية الحركيين من طي النسيان للتباكي على ذكرى الجزائر الفرنسية". مضيفة "ان الأبطال الجزائريين الذين ضحّوا بحياتهم من أجل تحرير فرنسا من نير النازية لا يستحقون ان يستعملوا لأغراض سياسية، بل هم جديرون بأن تذكر تضحياتهم".
وفي الوقت الذي لم يصدر أي تعليق رسمي في الجزائر على هذه "الحملة" بخاصة ان الرئيس جاك شيراك كان قد رحب بحرارة بمشاركة نظيره عبد العزيز بوتفليقة في هذه الاحتفالات، فإن الصحف الجزائرية ردّت بقسوة متساءلة "ماذا لو تقدم نواب جزائريون برسالة يطالبون فيها الرئيس بوتفليقة بعدم استقبال الرئيس جاك شيراك بحجة أن الأخير لم يُعد الاعتبار الى المتعاونين الفرنسيين مع النازيين"؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00