إعادة تركيب التمثيل الشيعي في العراق، في إطار خطة أميركية استفادت من تطورات وأحداث ومتغيرات سنة كاملة من الاحتلال والمقاومة والإرهاب، تنطلق من قاعدة أساسية وهي الاعتراف بأن الشيعة يشكلون غالبية الشعب العراقي سواء اكانوا أكثر من 60% أم أقل. هذه الأرجحية العددية توفر لهم حقوقاً في رفع نسبة تمثيلهم في الدولة سلطات ومؤسسات، لكن ذلك يجب ألا يعطيهم حق إقامة دولة العراق على مقاسهم وأطيافهم. وإن تخلي القوى السياسية والحزبية الشيعية العراقية ابتداء من السيد مقتدى الصدر وصولاً الى أحمد الجلبي، مروراً بحزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، ومنظمة العمل الإسلامي (آية الله المدرسي)، من دون أن ننسى الحوزة العلمية في النجف ومرجعيتها الممثلة حالياً بآية الله العظمى السيد السيستاني، يعني التباعد أكثر فأكثر مع المشروع الكردي للعراق الجديد وطلاقاً لا رجعة فيه مع السنّة العرب، المحاصرين في معظمهم جغرافياً في ما أصبح يعرف باسم "مثلث الموت"، والمعاقبين لانتماء النظام السابق إليهم، والمشمولين حالياً بعباءة الأصولية الإسلامية المعادية للاحتلال، والمشدودة بحكم المواجهات اليومية الى كل المنظمات الإرهابية المختصرة اسماً وممارسة بالزرقاوي!
ومن الطبيعي أن هذه الشريحة المهمة من الشعب العراقي، التي وضعت يدها على السلطة منذ ثورة 1920 ضد الإنكليز، لن توافق تلقائياً على التسليم ببساطة لهذا التغيير، الذي يعني سحب السلطة من أيديها وتحويلها أقلية محرومة.
والظاهر حتى الآن أن "لبننة" النظام العراقي الجديد بدأت من تقسيم الحقائب الوزارية في أول مجلس حكم موقت على أساس نسبي للمذاهب. فحصل الشيعة على 13 مقعداً من أصل 25، فيما منح للسنّة العرب والأكراد مقاعد متساوية، وتم حفظ حصة للمسيحيين الأشوريين. ثم تواصلت في الحكومة الموقتة الجديدة، فأخذ السنّة العرب رئاسة الجمهورية، والعرب الشيعة رئاسة الحكومة والأكراد وزارة الخارجية، الى جانب محافظتهم على مؤسساتهم المنتخبة في كردستان العراق. وإذا كانت "اللبننة" قبل الطائف، تعطي رئيس الجمهورية أرجحية في الصلاحيات والنفوذ، فإن النظام الجديد في العراق استفاد وهو "يتلبنن" من انتاجات "الطائف" من دون أن يأخذ بها كلها. ولا شك في أن هذه الرئاسة المحدودة الصلاحيات التي تسلّمها الشيخ الياور لا ترضي السنّة العرب كمجموعة من دون أن ننسى رفض أطياف النظام السابق والأصوليين..
ويبدو أن الأميركيين الذين يعرفون تفاصيل "اللبننة" بدقة واضحة، يتابعون تنفيذها من دون السقوط في نسخها في العراق، لأنه يجب الأخذ بطبيعة الحال بخصوصية التركيبة العراقية. واذا كان من أساس "اللبننة" تقسيم السلطات، وتقاسم المراكز، فان المظلة التي نشأ تحتها النظام اللبناني، كانت "المارونية السياسية"، حيث لم يكن الانتماء المذهبي داخل السلطة سوى جزء من عملية التكامل مع هذه المارونية السياسية، مشكلة بذلك "العصبية السياسية" التي التف حولها الجميع حتى مجيء "الطائف" الذي اسقطها من تركيبة النظام دون أن يسقط مفاعليها وأولها التشديد على لبنانية النظام ودور الموارنة في تأسيس لبنان الحديث!
الآن، ومع استكمال عملية "لبننة" النظام العراقي، فان السؤال المشروع يصبح، لماذا لا تكون "السنية السياسية" أساساً لبناء هذا العراق الجديد، بحيث يقبل السنّة العرب بالنظام ويتم به ارضاء المحيط الجغرافي حول العراق، ويمكن للشيعة العرب أن يمسكوا بالسلطة ويتدرجوا في الانتشار في ادارة الدولة ومؤسساتها بما يتناسب مع حجمهم وحضورهم، ولكن تحت مظلة هذه "السنية السياسية" الوليدة والتي يمكن أن تشكل بدورها "العصبية السياسية" للعراق الجديد على القياس الأميركي.
وتحت مظلة هذه "السنية السياسية" يكون العراق على فراق مع الجمهورية الاسلامية في ايران، فيصبح حضورها في الجنوب العراقي محدوداً. فالسياسي الشيعي العراقي الذي يطلب السلطة، عليه الانخراط في هذه "السنية السياسية"، وإلا فان اقترابه من ايران يعني راديكالية شيعية مرفوضة. وبذلك تكون الولايات المتحدة الأميركية قد ربحت "جنة" العراق وأبعدت عنها "جهنم" ايران!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.