مَنْ في لبنان، لم يقبِّل ابنه الرضيع على قفاه، خصوصاً إذا كان الولد هو البكر بعد زواج سعيد؟ ومَنْ هو الأب الذي لم يفاخر بذكورية ابنه البكر؟ هذا في لبنان. أما في الولايات المتحدة، وتحديداً في بعض ولاياتها الجنوبية مثل كارولينا الشمالية، فإن الأمر مختلف جداً. والمفاخرة هذه تكلّف الوالد في أغلب الحالات ثمناً باهظاً يتمثل في نزع الأبن من أحضان والده وتسليمه إلى عائلة أميركية، لرعايته وتنشئته دينياً واجتماعياً حسب القواعد والأعراف الأميركية المتشدّدة!
شربل حاماتي شاب لبناني يبلغ من العمر 24 عاماً هاجر إلى الولايات المتحدة قبل عامين تقريباً. ومثل أي مهاجر لبناني، فإنه يبدأ من تحت، عاملاً يتعب ليلاً ونهاراً لعله ينجح في تحويل "الحلم الأميركي" إلى واقع مادي ترجمته في الثروة والحياة الرغيدة. وقد قاده الحظ للوقوع في حب الأميركية تيريزا (24 سنة)، فتزوجا، وانجبا ولداً قبل أربعة أشهر ليعيش إلى جانب أخته من والدته (ست سنوات). وبهذا الزواج، ضمن شربل حاماتي الاقامة (البطاقة الخضراء) على طريق الحصول على الجنسية الأميركية التي تضمن له الاستقرار.
ومثل أي لبناني أو عربي إجمالاً، حضن ابنة زوجته بالرعاية، وأضفى على ابنه البكر كل عواطفه من مخزون شوقه إلى أهله وخصوصاً والدته في جبل تربل في شمال لبنان، وكان أن أخذ صوراً لابنه وهو يحمله عالياً ويقبل قفاه، كما صوّره مع اخته من والدته تيريزا أثناء العطلة وهو نصف عار. وشاء سوء حظه ان يضع الفيلم لتظهيره في مختبر يبدو ان أصحابه من المتشدّدين اجتماعياً وأخلاقياً. وما أن رأت العاملة الصور حتى استدعت الشرطة وعرضتها عليهم.
وعلى غرار مسلسل دراماتيكي هوليودي، توجه الرقيب ستاسي دين ومعه ثلاثة من رجال الشرطة إلى منزل شربل حاماتي، وقاموا باعتقال الزوج والزوجة، وأخذ الطفلين إلى مركز الشؤون الاجتماعية، نازعين بذلك حضانتهما من والديهما شربل وتيريزا حاماتي. ومن السجن إلى أمام القاضي، استناداً إلى مذكرة توقيف رسمية تقول "ان الصور تظهر فتاة في السادسة من عمرها مع شقيقها ابن الأربعة أشهر في وضع مثير حيث يظهر عضوه التناسلي".
الرقيب ستاسي دين الذي رضخ الشرطيون الثلاثة لتصلبه أعلن انه "استناداً إلى ما قدم لنا ومن خلال تحقيقاتنا، فإن التهم الموجهة كانت أكثر من مبررة". أما محامي الدفاع انطوني برانون فقد أعلن قبل الجلسة التي عقدت ظهر أمس حسب التوقيت الأميركي: "لم تقدم لنا كل الأدلة، لكن ما رأيناه منها يؤكد لنا ان المسألة لا تعدو كونها سوء فهم اجتماعي وثقافي، وعندما تأتي كل الحقائق وتتوضح القضية فإننا متأكدون بأن كل التهم ستلغى".
بدوره، ممثل الجالية في مدينة رالي عاصمة كارولينا الشمالية قال: "بصرف النظر عما حملت الصور التي أخذها شربل حاماتي للولدين، فإنها حملت غير ما يبدو منها، فقد نشأت وأنا أرى أشياء كهذه، إنها جزء من ثقافتنا".
كل هذا الدفاع وما يقوله أعضاء الجالية اللبنانية في المدينة حول طبيعة شربل وتيريزا حاماتي من انهما من العمال المجدين والنظفاء وبدون أي قصص ومشاكل، فإن الوضع يبدو صعباً ومعقداً.
القاضي سارع إلى إصدار قرار بسجن الوالدين حاماتي تحت كفالة مئة ألف دولار عن الزوجة ونصف مليون دولار عن شربل، وتسليم ابنة تيريزا إلى والدها الشرعي فوراً. وقد أطلق سراح الزوجة بعد ان دفع أهلها كامل الكفالة، في حين تعمل الجالية اللبنانية في مدينة رالي، عبر محامي الدفاع، على خفض كفالة شربل، بحيث يمكن للجالية تأمينها، ومن ثمّ العمل لإلغاء الدعوى كلها وتبرئته، لئلا يتم إدخال طلبه للجنسية في الملف فتزداد قضيته تعقيداً.
وهذه القضية في الولايات المتحدة الأميركية ليست الأولى من نوعها، فقد سبق ووقعت قضايا مماثلة أكثر تعقيداً، وما ذلك إلا بسبب الاختلافات الثقافية والاجتماعية، وعدم قبول الأميركيين رغم كل دعاويهم حول التعددية سوى الانصهار الكامل في مجتمعهم وثقافتهم المتشددة. وفي احدى هذه القضايا فَقَدَ اب ابنه عندما قام أمام الجمهور، بعد فوز ابنه (عشرة أعوام) ببطولة الجيدو، بالإشارة إلى ذكوريته ورجوليته. وقد خسر يومها ثروته ولم ينجح في استعادة ابنه إلا بعد بلوغه الثامنة عشرة من عمره. أما في قضية شربل حاماتي فإن القضية أكثر تعقيداً لأن الطفل لا يبلغ سوى أربعة أشهر من عمره، فإما أن يبرأ الآن ويستعيده وإما يصبح الأمر بمثابة معجزة!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.