اليوم النجف وغداً الفلوجة. هذا هو المسار الطبيعي لقرار رئيس الحكومة المؤقتة اياد علاوي، اقتحام النجف، ومواجهة السيد مقتدى الصدر ومعه "جيش المهدي". فقد أشعل علاوي ومعه حكومته ورأس حربتها وزير الدفاع حاتم شعلان الشيعي من الخزاعيين، حريقاً كبيراً ليطفئ به الحرائق على امتداد العراق. والقرار الأميركي ـ العراقي واضح، الديموقراطية شعار وممارسة بظل النار والحديد لمن لم يقبل ويهتدي. والدخول في لعبة السلطة والمواقع لمن قبل الانخراط في هذا المسار.
لقد أخذ علاوي، في "قصفه" للنجف بقوات مشتركة أميركية ـ عراقية (لا تهم نسبة المشاركة العراقية، ففي جميع الحالات يبقى الأميركي هو القائد والشرطي)، ومن ثم في محاصرة الصحن العلوي الشريف، "الحق الشرعي"، في توجيه أقسى الضربات لأي عراقي يخرج عن خططه للعراق "الجديد". فالعلاوي الشيعي ليس صدام حسين الذي أرسل صهره حسين كامل لاقتحام النجف والصحن الحيدري الشريف وتصفية الانتفاضة بعد حرب "عاصفة الصحراء" عام 1991. ولذلك فإن أي هجوم "تصفوي" على"المثلث السني" وقاعدته الفلوجة لن يكون سوى حلقة "عادية" في سياق هذه الحرب.
ومن الواضح ان علاوي، وخلفه السفير الأميركي جون نيغروبونتي الخبير في "تصفية الإرهاب"، على طول مسيرته "الديبلوماسية"، استخدم سياسة "الجزرة" وسيلة لتنفيذ "سياسة العصا". فهو قدم تنازلات شكلية للسيد مقتدى الصدر من دون أن يتخلى عن الأساس وهو: أن يصبح الصدر الثالث ممثلاً لطرف أو تيار شيعي، وليس الممسك بـ"القرار الشيعي" أو معظمه. وما قبول مقتدى الصدر بتسليم مفاتيح "الصحن الحيدري الشريف"، سوى "إعادة الحق" إلى المرجعية الصامتة، التي ساهمت عبر غياب وتغييب المراجع الأربعة: اية الله العظمى السيد علي السيستاني في لندن للاستشفاء، وآية الله بشير النجفي الموجود في ألمانيا، وآية الله إسحاق الفياض في إيران، وآية الله محمد سعيد الحكيم (البعيد عن الساحة)، في إعطاء علاوي، "كلمة السر" للبدء في هذه "الحرب المفتوحة"، من إعادة تشكيل التمثيل الشيعي وصولاً إلى العمل على "إطفاء الحرائق الصغيرة" على مساحة العراق.
ولا شك في ان تسليم مفاتيح الصحن العلوي للمرجعية، ليس معناه فقط الدخول تحت عباءة هذه المرجعية بكل شروطها وواجباتها وحقوقها، وإنما هي ايضاً عملية قطع لـ"وريد مادي" بعائداته بمنح الصدر الثالث استقلالية تغنيه عن المساعدة المادية التي لا يمكن ان تتم كما هو معروف في السياسة لوجه الله حتى ولو كان الصدر الثالث "سيديا" له من ارثه العائلي جذوره العميقة والصلبة. ولأن لا أحد ينكر على هذا التيار الصدري الوجود، والحضور، فإن الباب ابقي أمامه مفتوحاً للانخراط في التركيبة السياسية في إطار تنظيمي واضح!
وعلى هامش مستقبل هذا "الانخراط الصدري" في الحياة السياسية العراقية "الجديدة"، سيتحدد ما إذا كان وهو الخارج على الانتماء الطبيعي لـ"حزب الدعوة" (حيث كان الشهيد الصدر الأول مؤسسه والشهيد الصدر الثاني ركناً فيه)، قادراً على منافسة هذا الحزب عن طريق استعادة روح هذا الحزب الذي حارب صدام حسين، وانخرط باكراً في لعبة التحرير واقتسام التمثيل الشيعي (ابراهيم الجعفري المثال الكبير لذلك) والى جانبه عبد الكريم العنيزي العضو الجديد في المؤتمر الوطني عن حزب الدعوة "المنشق".
علاّوي، بدأ التنفيذ في الفلوجة بسيناريو مشابه لسيناريو النجف والصدر. أي مطالب أولها نزع السلاح وتسليم عدد من المشايخ المطلوبين والنتيجة ستكون اقتحام الفلوجة وبعقوبة سلماً أم حرباً وتحت غطاء الدخان الكثيف المتصاعد من آثار معركة النجف.
لقد بدأ علاّوي بالحرب المدعومة من واشنطن لأن نجاحها ولو المحدود في هذا الوقت بالذات، هو بالتأكيد نقطة حياتية وملحة لمصلحة المرشح جورج بوش الذي يحاشره جون كيري على المنخار حالياً. ولذلك لن يوقفها، خوفاً على ما سيكتبه التاريخ لاحقاً.
فالنتائج هي التي تصنع المستقبل. لكن ولا شك "ان الحرب هي أسوأ الخيارات. وهي خيار السياسيين السيئين" كما يقول المثل، فماذا لو انتجت هذه الحرب في النجف وغداً في الفلوجة، سلسلة من "حروب الانصار" التي تقود في لحظة معينة إلى مقاومة وطنية شاملة، لا كما هو حاصل حالياً مجرد "جزر" كلما اشتعلت في واحدة سكتت الأخرى؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.