8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إيران والعراق على وقع تطوّرات الملف النووي

الجمهورية الإسلامية في إيران، تريد هزيمة الولايات المتحدة الأميركية في العراق، وهي ترى، ان هذه الهزيمة تكسر المشروع الأميركي على مساحة المنطقة، وتبعد عنها خطر "الشيطان الأكبر". لكن إيران تعرف جيداً ان هذه الهزيمة التي تريدها وتعمل لها، مستحيلة. وأمام هذا المستحيل، تبدو الحركة الايرانية بطيئة، مع عناية كبيرة بالتفاصيل الدقيقة، بحيث يمكن إطالة المعركة، دون تحولها حربا مكشوفة، على أمل أن تنجح سياسة "الذبح بالقطنة" كما يقول الايرانيون وهي التي تقوم على الصبر والنفَس الطويل وعدم ملاحقة الخصم بالشعور بالخطر الداهم وتمكنهم من الربح بالنقاط. وهذا الربح، لا يعني الهزيمة بالمطلق، بل يعني التوصل إلى تفاهم، تكون قاعدته التفاهم على موقع كل طرف وقبول حقوقه مع احترام واجباته.
"ترويكا" القيادة في طهران من: المرشد آية الله علي خامنئي والشيخ ـ الرئيس هاشمي رفسنجاني والرئيس السيد محمد خاتمي، تلاحق يوميات هذه "المعركة"، كل من موقعه وما يمثله فكراً وممارسة. فالمرشد خامنئي حامل "مفاتيح" ايديولوجيا الجمهورية الإسلامية، يشهر دوماً سيف المواجهة التي خلاصتها "إما نحن وإما أنتم". والشيخ الرئيس الذي يملك من البراغماتية ما يكفيه زاداً للحوار والتعامل في كواليس قبرص وجنيف حتى نيويورك مقر الأمم المتحدة، يضع دوماً المشكلة وحلها على الطاولة دفعة واحدة تاركاً للادارات الأميركية المتوالية حرية الاختيار حسب الأوضاع والتطورات. أما الرئيس السيد المتعلق بحوار الحضارات، فإنه يبقى المحافظ الدائم على صدقية الدولة، حتى وهو يعلم ان كل ما يقوله لا يعني أكثر من "قل كلمتك وامش". لكن شيئاً واحداً يجمع هؤلاء الثلاثة، كما جمع دوماً الايرانيين، وهو "المصلحة الوطنية لإيران"!
وهذه "المصلحة" هي فوق كل الانقسامات والتيارات وهي خط أحمر، لا يمكن تجاوزها ولو تعارضت ايديولوجيا الجمهورية الإسلامية مع نفسها!
القيادة في طهران تواجه الأميركيين في العراق، على وقع ملفين إيرانيين حيويين، الأول وجود النظام نفسه، والثاني الملف النووي الذي دخل في حيثيات الملف الأول وتفاصيله. ولذلك فإن كل حركة ايرانية في العراق تأخذ تضاريس العلاقات الايرانية ـ العراقية المعقّدة، وهي تقوم على ثوابت لم تتغير طوال قرون ومتحول رسمت أطيافه وألوانه حقبات طويلة من تاريخ البلدين.
أما الثوابت، فهي قائمة في الجغرافيا المتشابكة الحدود على مئات الكيلومترات، والترابط الاجتماعي والمصالح العائلية والعشائرية الواسعة والعميقة، والاندماج المذهبي، بكل رموزه من حوزات وأضرحة مقدسة يكون الموت أهون فيها على الطرفين من الانقطاع عنها! ولا تقف هذه العلاقة عند الحدود الجنوبية بل حتى تمتد إلى كردستان العراق، حيث يرى الايرانيون ان رابط العرق الاري الواحد مع الأكراد، يمنحهم عمقاً استراتيجياً لحركتهم ولو حصل في بعض الأحيان والحالات انقطاع في الأهداف.
بدوره، فإن المتحول يقوم على تغييرات الأنظمة، التي تقع في دورات زمنية سواء قصرت أم طالت، فإنها تضع طهران أمام مشكلة التعامل معها تفهماً أو برودة أو حرباً. لكن طهران ترى دوماً انه ما دام ممكنا ان يقع التغبير وهو ما حصل حتى مع صدام حسين ونظامه، فإن كل الحلول تصبح مشروعة على قاعدة الثوابت!
ولا شك في ان الحرب الطويلة والظالمة بين ايران والعراق لم تكن فيها الضحايا من الشعبين فقط، بل أيضاً وهو المهم، رمت بثقلها المأسوي على نسيج العلاقات نفسها، وكلما تقدمت هذه العلاقات نحو المستقبل، حضر الماضي بكل تفاصيله الصعبة والقاسية والجارحة. كما ان ثلاثين سنة من نظام صدام حسين، والصدامات المستمرة وبدون انقطاع مع الجنوب الشيعي بأحزابه وعلمائه وحوزاته إلى جانب حصار لا يرحم طال الإنسان والتراث، قد "خشّب" العقل المنفتح في الحوزات بدلاً من ان يكون مساحة مكشوفة للأخذ والعطاء.
هذا الواقع لا بد أن تتعامل طهران مع حقائقه في معركتها مع الولايات المتحدة الأميركية. ولذلك، تتقدم وتبقي لتراجعها مسافة تعينها، وتتحالف وتعمل على ألا تكون تحالفاتها تظاهرة تقول أكثر مما تفعل وتؤثر. و من ذلك، ان طهران متحالفة أو متضامنة أو شريكة مع أحمد الجلبي ومقتدى الصدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (عبدالعزيز الحكيم) وجلال الطالباني. ومع ذلك فهي لا تجاهر بذلك، ومنذ بدء معركة النجف فإن طهران لم تشر إلى السيد الصدر إلا لماماً. خصوصاً أن الصدر الثالث رفض الاعتراف بالولاية للمرشد الخامنئي، ولم يلتقه خلال زيارته طهران قبل أشهر.
وطهران تمسك بالوضع العراقي هدوءاً واشتعالاً على وقع تطورات الملف النووي، فهي تريد ـ ومن حقها ذلك ـ ان تصبح دولة نووية، وهذه الإرادة ليست من فعل آيات الله الحاكمين، فالشاه كان يريد هذا السلاح ليس خوفاً أو قلقاً من إسرائيل، وإنما لتأكيد اطلالته "كشرطي" في المنطقة. وبهذا فإن امتلاك ايران للسلاح النووي، هو إرادة وطنية ايرانية لا يمكن للنظام الإسلامي التغاضي عنها. وبقدر ما يساهم الوضع العراقي في تخفيض الاندفاع الأميركي نحو المواجهة على صعيد هذا الملف بقدر ما تعمل طهران على ضبط الانفجار، والعكس صحيح!
إذا خسر السيد مقتدى الصدر معركة الصحن الحيدري فإن الجمهورية الإسلامية في ايران ستفقد حليفاً في اطار ضرب المشروع الأميركي في العراق لكن هذه الخَسارة لن تكون نهاية للدور الايراني، فالجغرافيا والتاريخ والمتغيرات تجعل هذا الدور في صلب صناعة المستقبل في العراق والمنطقة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00