"محدلة" الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لم تتوقف بعد رحيل الجنرال محمد العماري رئيس أركان القوات المسلحة الجزائرية، هذا الرحيل الذي يندرج في خانة الإقالة، رغم القول رسمياً انها كانت استقالة، الرئيس الجزائري لم ينتشِ ويزهو بعد فوزه بهذه المعركة ضد العسكر، ولذلك يتابع يومياً التقدم على أساس ان الحرب عدة معارك متواصلة ومتصلة.
ويبدو بوتفليقة مقتنعاً أن "الحرب" ليست في مواجهة جبهة العسكر وحدها، فالجنرالات أقاموا طوال ثلاثة عقود "جمهوريتهم" في الإدارة والقضاء وفي يوميات الناس. وأمام هذا الاقتناع الناتج من معرفة كاملة بتفاصيل "البيت الجزائري"، يتحرك بوتفليقة، تساعده في ذلك رياح فرنسية ـ أميركية تهب بالتوافق والتزامن على حركته مشكلة قوة دفع استثنائية في هذا الظرف الدولي الصعب والدقيق.
على جبهة العسكر، يكمل بوتفليقة عملية تبديل "مفاتيح" المؤسسة العسكرية. فقد أنهى الشهر الماضي خدمات عدة قادة عسكريين لولايات حساسة أبرزهم الجنرال محمد وداي قائد أركان الولاية الأولى، والذي كان قد صرح قبل الانتخابات الرئاسية بأن "الجيش لن يقف مكتوفاً أمام أي تزوير"، وكذلك الجنرال عبد النور مصباح المعروف باسم الجنرال صادق وهو قائد الولاية السادسة، ثم أقدم اخيراً على ضرب القمة داخل وزارة الدفاع بصفته وزيراً للدفاع وقائداً أعلى للقوات المسلحة، عندما انهى خدمات:
اللواء عبد المالك الساسي المدير المركزي للعلاقات الخارجية. وكان قد شغل منصب الملحق العسكري في باريس وهو من المواقع الحساسة جداً في المؤسسة العسكرية.
العقيد حسين شباط المدير المكلف بالإعلام والتوجيه والاتصال أي ما يعرف عملياً في المؤسسة بالمحافظة السياسية. ومهمته كانت تحضير وتنفيذ خطة الاتصال بمختلف النواحي العسكرية (أي ضابط الاتصال بين الوزارة والقيادة وكافة قادة النواحي) الى جانب ذلك الاتصال بالصحف ويعني ذلك أيضاً الإشراف على مسار الإعلام الجزائري مع الوضع في البلاد.
الجنرال إمبارك مدير المديرية المركزية للشؤون الاجتماعية في الوزارة وقد سبق له وان حضر قانون المعاشات العسكرية.
وهذه التغييرات، هي "كرة الثلج" التي بدأت بالتدحرج، والتي ستأخذ في طريقها، جميع الضباط الكبار الذين بلغوا الستين من عمرهم، والذين سيتقاعدون، ليستفيدوا من قانون المعاشات الذي وضعه الجنرال إمبارك. ولا بد أن تأخذ "كرة الثلج" هذه "حصن" المخابرات الذي تحول الى "جزيرة" لا تخترق رغم كل التجاوزات التي وصلت الى حد اطلاق الجزائريين عليه خلال السنوات الماضية جهاز S.S نسبة الى الغستابو، ولا بد ان تكون "الترويكا" التي فقدوها والمشكلة من اللواء محمد مدين "توفيق"، واللواء اسماعيل القماري مدير جهاز مكافحة التجسس واللواء عباس غزيل، هي "الوجبة" القادمة.
ويبدو أن الجبهة المكملة "للعسكر" تكمن في إعادة بناء السلطة القضائية، حيث تجري عملية تبديلات واسعة في مختلف القطاعات القضائية في محاولة توصف بأنها "جادة لاستعادة السلطة القضائية لاستقلاليتها وحيادها وشفافيتها". وترجمة ذلك "تطهير هذه السلطة من نفوذ العسكر الذي وضعها تحت جناحه طوال السنوات الثلاثين الماضية وخاصة خلال العشرية السوداء".
أما الجبهة المدنية وهي الوجه الآخر لجبهة "العسكر"، فإن عملية التغيير تجري فيها على قاعدة "مشروع النهضة الاقتصادية" الذي خصص له مبلغ سبعة مليارات دولار، وهدف هذا المشروع إعادة بناء البنى التحتية في الجزائر، خاصة في الريف الذي يعيش فراغاً سكانياً نتيجة للسياسات السابقة وإنعكاسات مآسي "العشرية" الدامية التي سقط فيها أكثر من مئة ألف قتيل. ولا تقف هذه العملية عند هذا المشروع لأن الرئيس الجزائري وعد ببناء مليون وحدة سكنية على مساحة الجزائر يساعده في ذلك فائض نقدي لم تعرفه الجزائر وصل حتى أواسط الصيف الى خمسين مليار دولار نتيجة لارتفاع سعر النفط. وكانت الحكومة الجزائرية قد وضعت ميزانية العام على أساس أن سعر برميل النفط هو 19 دولاراً في حين لامس مؤخراً الخمسين دولاراً. واذا ما أضيف الى ذلك ان الجزائر عاشت سابقاً فساداً هائلاً تمثل في خسارة الدولة الجزائرية لأكثر من 25 مليار دولار ولم تعرف أي عملية بناء منذ أكثر من عقد كامل، فإن مفعول عملية النهضة هذه إضافة الى ملحقاتها، سيشكل "زلزالاً اقتصادياً واجتماعياً" يساهم في إعادة تشكيل نسيجه الاجتماعي كله، بين قوى صاعدة مشاركة في هذه المشاريع، وشرائح اجتماعية مستفيدة!
ولا تقف "الرياح" المساعدة لبوتفليقة عند هذه الحدود. ففي الوقت الذي تعاني "جبهة التحرير" صعوبات داخلية وهي على أبواب مؤتمرها الثامن، بعد رمضان المقبل، ويلجأ قياديون الى بوتفليقة للتدخل المباشر لإعادة توحيد حزب الجبهة بعد تسميته "رئيساً" له وهو منصب فخري عملياً، فإن باقي الاحزاب تعيش على وقع انقسامات حادة، وأبرزها "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" والحركة التي يرأسها حسين ايت أحمد، وكذلك حركة "النهضة" مما يجعل "جبهة التحرير" الأقوى بين الضعفاء.. وعلى أساس هذه الوضعية يمكن لبوتفليقة ان يستقوي داخلياً وأن يعمل من خلال ذلك لإعادة بناء الجبهة على "قياسه" وحسب اختياراته وشروطه.
وخارجياً، يتلقى بوتفليقة دعماً دولياً لافتاً، ففي الوقت الذي يستعد فيه لتوقيع اتفاقية "الشراكة الاستثنائية" مع فرنسا، بعد ان أنجز المصالحة التاريخية خلال مشاركته بالذكرى الستين للإنزال في البروانس في فرنسا، تتوالى الإشادة الأميركية به وبإصلاحاته، وكان آخرها ما قاله بيتر مولربان المدير الإقليمي لمبادرة الشراكة من أجل الشرق الأوسط (تضم المديرية تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ومصر ولبنان) من ان الجزائر حققت تقدماً واضحاً في ميادين الإصلاحات السياسية والانفتاح الاقتصادي والحريات الصحافية. والولايات المتحدة الأميركية ستتابع تقديم دعمها للجزائر وخاصة في جهودها للانضمام الى "المنظمة الدولية للتجارة".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.