معركة النجف، لم تنه السيد مقتدى الصدر، ولم تلغ "جيش المهدي".
لكن اتفاق النجف، أضعف "الصدر الثالث"، وشتت "جيش المهدي" إذ سحب من السيد مقتدى الصدر، الثروة والسلاح. الثروة الكامنة في خط الدفاع الأول في الصحن الحيدري الشريف. والسلاح في انكفائه الى المستودعات، وخسارة الجيش الناشئ، معظم كادراته في حرب شوارع غير متكافئة، كانت بمجملها خطأ في المكان والزمان والوسائل. وبهذه الخسارة المزدوجة اضطر "الصدر الثالث" الى العودة بعد رفض وتمنع ومقاومة الى تحت عباءة المرجعية لآية الله العظمى السيد علي السيستاني.
هذا الانكفاء، لم يلغِ موقع الصدر، لكن اضعفه. والاتفاق الذي صادق عليه، لا يبدو موقع اجماع من مقاتلي الصدر، وإلا ما معنى أن تهدأ في النجف لتشتعل في كاظمية بغداد، أو مدينة الصدر.. تحويل "المربع الصدري"، الممتد من النجف الى بغداد، الى "جزر" غير متواصلة ولا مترابطة في حركتها وتفاعلها مع المتغيرات هو الذي فرض السؤال الكبير: هل مقتدى الصدر ما زال يدير الحركة السياسية كما بدا في بداياته، حيث المئات من المنخرطين في "جيش المهدي" يذهبون الى الموت باشارة منه وهو ملتف بالكفن الابيض على طريقة والده الشهيد السيد الصدر الثاني؟!
حتى الآن لا اجابة سهلة عن هذا السؤال المعقد.
لكن ميدانياً، يبدو "المربع الجغرافي الصدري" وقد أصبح "جزراً جغرافية تفرّخ كل منها "جيشاً" جديداً ينتمي في جذوره الى "جيش المهدي" لكنه ينحو نحو الاستقلالية، والتي لا بد أن تتجذر حتى يقع الطلاق فالانفصال!
واستناداً الى البلاغات والتصريحات، في ظل الصمت الصدري الرسمي، فإنه يمكن تعداد ثلاثة "جيوش" حتى الآن هي:
"جيش الصدريين" ويقوده الشيخ عبد الهادي الدراجي وهو يرفض علناً هذا الانفصال وينفي قيادته له لكن على الأرض في بغداد يبدو وكأن هذا "الجيش" موجود وينمو يوماً بعد يوم، وحسب المتابعين للوضع في مدينة الصدر، والكاظمية، فإن مظاهر تنظيمية أكثر دقة وتراتبية تتمظهر يومياً، كما أن انتشاراً غنياً للأسلحة ولمعدات اتصال حديثة تخرج الى العلن.
"كتائب محمد بن عبدالله": وهي التي قامت باختطاف 18 جندياً من الحرس الوطني العراقي، للمطالبة باطلاق الشيخ حازم الاعرجي وشقيقه ابرز شيوخ حي الكاظمية في التيار الصدري.
وقد سارع الشيخ علي سميسم الى بغداد بتكليف من السيد الصدر لاطلاق الجنود وقد نجح في ذلك، بعدما صرح، نحن لا نعرف المجموعة وليس لدينا أي علاقة بها إلا ننا نتفهم رد فعلها.
"جيش الحسين": وهو ما زال مجهولاً وان كان اسمه يؤشر الى استعداد باتجاه "الاستشهاد" و"العمليات الاستشهادية".
ويرد العراقيون انقسام "جيش المهدي" الى "جيوش"، الى أسباب ذاتية تعود الى نشأة هذا الجيش والى تداعيات اتفاق النجف بعد الانسحاب من الصحن الحيدري الشريف. فهذا "الجيش" وان كان يضم الآلاف من العراقيين، إلا انه لم يحمل من اسمه سوى هيكله، فهو لم يعرف قيادة وتراتبية، مثلما ان التيار الصدري، ما زال حتى الآن مجمعاً لتكتلات متحالفة أو مندمجة وايضاً متضاربة في طموحاتها. فالسيد الصدر اختصر بنفسه ولنفسه وبمجموعة من المساعدين كل هذا التيار. وأي جردة للاسماء تؤكد ذلك فهم بلا مواقع ولا مسؤوليات محددة سوى "التمثيل الشخصي". وأبرزهم وبدون أولويات: الشيخ أحمد الشيباني والشيخ حسام الحسيني، والشيخ أبو صادق الاظهري والشيخ علي سميسم، والشيخ نعيم الكعبي والشيخ أسد البصري (زعيم التيار في البصرة) والشيخ حازم الاعرجي والشيخ عبد الهادي الدراجي.
ومن تداعيات معركة النجف ايضاً والاتفاق الذي تلاها، فإن خلافاً عميقاً نشأ بين دعاة لتحويل التيار الصدري قوةً سياسية، تدخل في الانتخابات التشريعية وتأخذ موقعها في المشروع السياسي السلمي الذي يقوده حالياً اياد علاوي رئيس الحكومة الموقتة. ويبدو أن أبرز وجوه هذا التيار الشيخ علي سميسم وكان قد اعتقل سابقاً واطلِق. والشيخ أبو زهراء الناصري، الذي يشارك في صوغ مشروع سياسي للتيار الصدري، يخرج هذا التيار من "هلاميته وعموميته وتحويله حركةً سياسية منظمة" يستند الى ميثاق في 25 بنداً أبرزها: تداول السلطة سلماً، والركون الى الانتخابات العامة في انتقال السلطة، والاستقلال الكامل للعراق واعتبار الاسلام دين الدولة، وغير ذلك".
وان المناهضين لهذا التوجه السلمي والسياسي للتيار، فإنهم يريدون متابعة الكفاح المسلح ضد الأميركيين، انطلاقاً من عدم تسليم سلاحهم وخصوصاً أن السيد مقتدى الصدر كان قد أعلن بنفسه: ان هذا الجيش هو قاعدة الإمام المهدي ولا يحق لي تجريده من السلاح".
كيفية تعامل القوات الأميركية ومعها الحكومة الموقتة العراقية مع "التيار الصدري" على مساحة "المربع الشيعي"، هي التي ستوجه رياح الراديكالية للانضواء أكثرَ فأكثرَ في الكفاح المسلح، وبالتالي ظهور مجموعات متشددة على مثال مجموعات الفلوجة وباقي المثلث السني، أو تمدد تيار الاعتدال والحوار والعمل السياسي في إطار الدولة العراقية الناشئة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.