تركيا تعمل للانضمام الى الاتحاد الأوروبي، وكأن موعد هذا الانضمام غداً، والأوروبيون يدرسون انضمام تركيا، وكأن انضمامها لن يتم. فالأتراك يستعجلون الانضمام تأكيداً منهم لأوروبيتهم وعلمانيتهم. والأوروبيون يستأخرون هذا الانضمام لكونه يفتح عليهم منافذ لرياح آسيوية وإسلامية لا يريدونها.
والحل لكي لا تيأس تركيا أمام "اللا"الأوروبية، أن تختار نموذجاً غير النموذج الأوروبي، بكل ما يحمل ذلك من مخاطر جيوسياسية "كما يقول ميشال بارنييه وزير خارجية فرنسا. كذلك يتعين من جهة أخرى، لئلا تضطر أوروبا لقول نعم بكل ما يعني من واجبات والتزامات سياسية واقتصادية وبخاصة مواجهة معارضات شعبية، فرض المزيد من الحوار والشروط غير المخالفة للدستور الأوروبي والتي يمكن التساهل أو التشدد في تطبيقها حسب الدولة طالبة العضوية.
نيكولا ساركوزي "السوبر وزير" الفرنسي، اختصر المناظرة بقوله "أنا أعارض انضمام تركيا الى الاتحاد، وأفضل شراكة استثنائية معها. لكن في جميع الأحوال، إن انضمام تركيا الى الاتحاد ليس مطروحاً قبل 15 سنة". ومن الواضح أن المفوضية الأوروبية مقتنعة بأن انضمام تركيا لن يتم قبل العام 2015، لكن مع ذلك تناقش حيثياته وشروطه على أساس أنه لا يجوز ترك مسار الطلب التركي حتى الساعة الأخيرة!
ومعارضة انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، ليست شعبية فقط. فإذا كانت شعوب الاتحاد الأوروبي منقسمة بحدة بحيث يعارض الانضمام 56 في المئة من شعوب الاتحاد، فإن الانقسام العلني وصل الى داخل المفوضية الأوروبية درجة إعلان بعض المفوضين معارضتهم المعللة.
"تركيا عظمة لا يمكن بلعها"، هذا ما يقوله المعارضون داخل المفوضية الأوروبية. وأما تعليل هذا الحكم، فهو سياسي واقتصادي وديموغرافي، وطبعاً ديني. ويختصر هؤلاء موقفهم بالنقاط الآتية:
سياسة تركيا الخارجية لا تتقاطع مع السياسة الأوروبية، وفي ذلك إشارة الى "أمركة" القرار السياسي التركي، والقول إن التباعد الحالي مع واشنطن موقت لكون تداول السلطة في تركيا يؤدي الى اختلاف المواقف الرسمية ودائماً تعود تركيا الى "ينابيعها الأميركية".
النتائج الاقتصادية لانضمام تركيا، "ثقيلة جداً" ذلك أن عدد سكان تركيا هو أكثر من عدد سكان الدول العشر التي انضمت أخيراً الى الاتحاد. واندماج تركيا اقتصادياً أصعب بكثير لأن هذا العدد الكبير من السكان هو أكثر فقراً ويعمل في القطاع الزراعي. وهنا بيت القصيد ذلك أن مفوض الزراعة فرانز ميشر يقول "لا نستطيع منح المزارعين الأتراك وعددهم ضخم جداً المساعدات التي نمنحها للمزارعين الفرنسيين". ويضيف أحد كبار كادرات المفوضية "حتى ولو أن رغبتنا هي منحهم المساعدات، فإن صندوق الاتحاد يفتقد المال حتى العام 2014".
إن عدد سكان تركيا حالياً هو 70 مليون نسمة ووحدها ألمانيا تتفوق عليها لأن عدد سكانها يبلغ 83 مليون نسمة. لكن مع النمو الديموغرافي النسبي حسب نصوص دستور الاتحاد يعني منحهم 95 مقعداً في البرلمان الأوروبي أي أكثر من فرنسا وعدة دول أوروبية مجتمعة.
وأخيراً، فإن السبعين مليون تركي هم مسلمون. وهذا يعني تغييراً حقيقياً في طبيعة تركيب الاتحاد على الصعيد الديني مع ما يعني ذلك من انعكاسات على تكوين الاتحاد. وقد وصل الأمر الى درجة أن مفوض الداخلية فيرنز بولكستاين، قال: إن انضمام تركيا يعني أن تحرير فيينا عام 1683 لا يعود له أي معنى. ويضيف الركن الثاني في المعارضة لدخول تركيا فرانز فيشر مفوض الزراعة "إن تركيا هي شرقية أكثر مما هي أوروبية".
أما التوصيف الفعلي لهذه المعارضة، فقد جاء على لسان رئيس الوزراء الفرنسي جان بيار رافاران، رغم تكذيبه لذلك وقول مساعديه إن ذلك مجرد "زلة لسان". فقد قال "إن انضمام تركيا هو مثل التقاء نهر الإسلام بسرير العلمانية" أما قصد رافاران فقد كان "التقاء نهري الإسلام والعلمانية" كما حاول مساعدوه تحسين الصورة.
الرئيس جاك شيراك، يبدو حتى الآن كالطير الذي يغرد خارج سربه. فهو يؤيد بقوة انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، لأن رؤيته أكثر عالمية من باقي السياسيين الفرنسيين والأوروبيين معاً.
ثم إن موافقته تبدو ذات بعد تاريخي. فهو يعرف أن هذه القضية مستقبلية، والزمن كفيل بتغيير المواقف. ويدعمه وزير الخارجية ميشال بارنييه الذي عمل طويلاً مفوضاً في المفوضية الأوروبية، فيقول: "أيدت انضمام تركيا قبل عشر سنوات لأن الدين لم يكن يوماً معياراً لانضمام هذه الدولة أو تلك. وفي جميع الاحوال فإن دولاً مسلمة في البلقان لا بد أن تنضم أيضاً الى الاتحاد".
وبين المعارضين بقوة، والمؤيدين بواقعية، فإن الحل كما يراه الواقعيون في أوروبا هو ترك كل شيء لمفاوضات طويلة، مع التركيز مع تركيا على التنفيذ وليس على الوعود".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.