بعد مرور 45 يوماً على اختطاف الصحافيين الفرنسيين كريستيان شينو وجورج ماليرونو وسائقهما السوري في العراق على يد منظمة الجيش الإسلامي، لم يعد السؤال، هل سيطلق سراحهما وكيف، وإنما هل أطلق سراحهما ومتى وأين سيتم تسليمهما؟ وهذا الغموض الجديد، أضاف أسئلة إلى مسلسل الأسئلة الطويل الذي بدأ بعد أسبوع من اختطافهما وامتد حتى اليوم.
المهمة الخاصة الموازية لنشاط الديبلوماسية الفرنسية، التي يقوم بها النائب المعروف ديدييه جوليا ومساعده فيليب بريت من أجل استعادة شينو وماليرونو، عبر دمشق، هي التي ألقت الظلال الجديدة. فقد بدا ولأكثر من 48 ساعة، أن النائب العضو في حزب "الاتحاد من أجل أغلبية شعبية" وهو حزب الأغلبية الحاكمة في فرنسا، معروف بعلاقته القديمة والمتينة بالنظام العراقي السابق، فقد قام برحلات عديدة إلى بغداد خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً وأنه عضو في مجموعة للصداقة بين فرنسا ودول عربية تضم سوريا وليبيا والعراق والسعودية وأيضاً إيران والسلطة الوطنية الفلسطينية.
كما أن مساعده فيليب بريت الذي يرافقه في هذه المهمة معروف جيداً من أوساط الأجهزة الأمنية الفرنسية، فهو يرأس جمعية للتنمية والصناعة والثقافة، ومهمة هذه الجمعية اختراق "الأسواق الحساسة" مثل العراق وليبيا والجزائر وسوريا وموريتانيا.
وبريت معروف من الأجهزة الأمنية الفرنسية لأنه "رجل ميدان"، سبق وأن خدم في فرقة كومندوس البحرية الفرنسية وهو يتمتع بمواهب وخبرات عدة أبرزها قيادته للهليكوبتر والغوص القتالي، فضلاً عن خبرته في الفنون القتالية (كاراتيه وغيرها)، وهو بعد خروجه من الجيش وقبل إنشائه لهذه الجمعية والتي تتمتع بدعم من دولة افريقية تولى حماية الرجل الثاني في الجبهة الوطنية الفرنسية التي يرأسها جان ماري لوبن، وخلال هذه الفترة زار العراق مرات عدة.
المشكلة في هذه المهمة الموازية، أنها سببت إشكالات للحكومة الفرنسية اضطرت اثرها إلى سحب أي غطاء حكومي شرعي عنه، خصوصاً بعد أن تحوّلت زيارته إلى دمشق كما أجمعت كل التصريحات الفرنسية الرسمية، إلى "فشل ذريع". ومما زاد من ضخامة هذا الفشل، أن النائب جوليا ومساعده بريت تلاعبا وهما في دمشق بأجهزة الإعلام الفرنسية وغيرها إلى درجة أن العشرات من الصحافيين توجهوا إلى الحدود السورية ـ العراقية، لملاقاة شينو وماليرونو وسائقهما السوري، وذلك بعد أن صرح بريت أنه التقاهما وتحادث معهما ثم تبين بعد أن تابعته أجهزة التنصت الفرنسية، أنه لم يغادر دمشق وأنه أجرى من هناك أربع اتصالات هاتفية وتلقى واحدة فقط. وبالتأكيد لم تكن المكالمة من العراق، ثم أضاف جوليا إلى كل هذا الشريط، اتهامات للأميركيين بأنهم يعطّلون عملية التسليم بقصفهم المتواصل لمنطقة الرمادي وأن القصف أدى إلى إصابة القافلة التي تقل شينو وماليرونو، وقد أدى كل ذلك إلى مقتل عدد من أفراد القافلة. وقد أوحت كل هذه الاتهامات كما أشارت الصحف الفرنسية وكأنه توجد خطة مسبقة لمنع تسلم الصحافيين في دمشق لئلا تربح أوراقاً جديدة في مواجهة الضغوط الدولية التي تشارك فيها فرنسا بعد صدور القرار 1559.
أما المشكلة الثانية، فهي فرنسية ـ فرنسية، فقد أسفر الفشل الذي أدت إليه مهمة جوليا وبريت إلى مواجهة داخل الأغلبية الحاكمة التي نفى أقطابها تكليف النائب جوليا بأي مهمة، بل ذهب رئيس الوزراء الأسبق ادوار بالادور إلى القول "لقد أخبرني برغبته في الذهاب إلى دمشق للعمل على إطلاق سراح شينو وماليرونو ونصحته بألا يفعل ذلك، وقد فعلها".
وبدوره فإن الحزب الاشتراكي المعارض وجد في الغموض المحيط بمهمة النائب في حزب الأغلبية، فرصة للانقضاض على الرئيس جاك شيراك ووزير خارجيته ميشال بارنييه "لايقاف كل هذا الاضطراب فوراً من أجل مصلحة الرهائن، إذ لا مصلحة لنا بالاحتكاك بمثل هذه المنظمات التي لا نعرف عنها شيئاً".
أما أوساط النائب جوليا ورفيقه بريت، فإنها تردّ على كل ذلك بالقول: "لماذا العجلة، لم يمضِ علينا سوى أربعة أيام في حين مضى على الديبلوماسية الفرنسية 48 يوماً"!
أسعد حيدر
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.