أبو مصعب الزرقاوي موجود في العراق فعلاً أو رمزاً، لكنه ليس هو المشكلة. الاحتلال الأميركي للعراق هو المشكلة، وإسقاط صدام حسين ونظامه، من دون التحضير والاستعداد لمرحلة ما بعد صدام حسين، هو الذي جعل العراق ساحة مفتوحة لكل أنواع العنف المسلح والإرهاب الأسود. وبذلك أصبح العالم كما يقول الرئيس جاك شيراك "أكثر خطراً"، وليس كما يقول الرئيس جورج بوش "أكثر أمناً".
الاحتلال الأميركي، هو الذي خلق العنف في العراق، وهذا العنف الأسود المتجسد في تحويل الفلوجة الى "ستالينغراد" صغيرة، هو الذي يؤجج استنهاض الشعب العراقي، ويدفعه نحو الانخراط في مقاومة وطنية.
ولعل الأرقام أبلغ تعبير عن حجم علاقة الزرقاوي وإرهابه بالعراقيين ومقاومته. فمن أصل نحو 1200 أسير عراقي، يوجد 25 معتقلاً غير عراقي قد يكون معظمهم من الذين انضووا في القتال وانضموا الى المقاتلين العراقيين باسم "الجهاد"، والبعض منهم يشكل جزءاً من إرهاب الزرقاوي. والنسبة العددية واضحة في تثبيت هذه المعادلة. ان إرهاب الزرقاوي أقلية والمقاومة هي الأكثرية.
لكن الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً الرئيس جورج بوش المتجه أكثر فأكثر في ولايته الثانية نحو المزيد من التعصب والتشدد، مستنداً الى إدارة أكثر التصاقاً باليمين المحافظ المتشدد، هي التي حولت كل المشهد العراقي وتحديداً الحرب الحقيقية في الفلوجة، الى حرب ضد الإرهاب.
فهذا الإرهاب، وبرمزه الدولي المعروف الزرقاوي "يشرع" كل هذا العنف العسكري في الفلوجة، وهو الذي يفتح أمام إدارة بوش إمكان ضرب الموصل والرمادي وبعقوبة بعد النجف!. والرأي العام الأميركي بحاجة الى الزرقاوي لقبول تضحيات جنوده واحتلالهم للعراق، والاستعداد لتقبل أي حرب جديدة باسم ملاحقة الإرهاب مجسداً بالزرقاوي واسامة بن لادن واسماء اخرى قد تنبت الآن أو غداً في هذه الدولة أو تلك.
وما لم يقبل الرئيس جورج بوش وإدارته، بأن الحل في العراق هو حل سياسي يعيد للعراقيين كامل سيادتهم على أرضهم واستقلاليتهم في إدارة شؤون بلادهم، فإن هذه المقاومة التي تأكدت في الفلوجة ستنتشر مثل النار في الهشيم على أرض العراق. ولعل تقسيم العراقيين بين أكراد طامحين بإقامة دولتهم "المستحيلة"، وشيعة غارقين في "مستنقع" تجربة 1920 التي دفعوا ثمنها استبعاداً من السلطة التي صنعوها بدمائهم، وسنة يعيشون حالة من القهر والخوف من مستقبل يحرمون فيه من مشاركتهم الفاعلة في السلطة باسم اندماجهم بالنظام السابق، هو محاولة جادة عن عمد وسابق تصميم أميركي أو عن جهل بمفاعيل ما يحدث لاستباق هذه الوحدة العراقية وانخراطها في مقاومة وطنية جادة وذات مشروع وطني متكامل يأخذ فيه كل عراقي حقه في عراق المستقبل.
ودروس العراق اليومية لا تنحصر في داخله ، فما تحذير الرئيس جاك شيراك من "تحول العالم الى عالم أكثر خطراً"، وهو يزور بريطانيا ويلتقي طوني بلير رئيس الوزراء الذي كما وصفه لم يستفد من دعمه غير المحدود لبوش في العراق، وانضمام غيرهارد شرودر مستشار المانيا الى الحملة بقوله أن على الرئيس جورج بوش أن يأخذ في الاعتبار الصعوبات التي يواجهها في العراق"، سوى جزء من "الدفاع الوقائي" الأوروبي إزاء إدارة بوش تحوطاً من أزمات المستقبل باسم الحرب ضد الإرهاب.
ذلك، ان شيراك وشرودر يخافان من مغامرة أميركية جديدة تشكل خطوة إضافية من مواجهة الواقع بالهرب الى الأمام. وهذه المغامرة قد تكون باتجاه إيران هذه المرة. "فالترويكا" الأوروبية الفرنسية ـ الألمانية ـ البريطانية، تعمل جادة لنزع فتيل الملف النووي الإيراني، وهي تخاف على ما يبدو من قفزة "بوشية" الى الأمام تضع العالم كله وخاصة منطقة الشرق الأوسط فوق حقول مشتعلة من البارود والنفط معاً. وهذا القلق الأوروبي له ما يبرره، فإلى جانب معارك العراق التي ساهمت في زعزعة الاستقرار والأمن للنفط فقفزت بسعره الى أرقام خيالية، بدلاً من تأكيد الاستقرار وتثبيت الأمن، تجد في تصريحات كولن باول "الحمامة" الخارجة من الإدارة وهي تتحدث عن استعدادات إيرانية لتصنيع صواريخ حاملة لأسلحة نووية قذفاً لمزيد من الزيت على "نار" المحافظين المتشددين و"صقورها" في الخارجية والدفاع معاً، للدخول في مغامرة إيرانية قد تكون الحرب في العراق تجربة دموية صغيرة أمامها.
من الضروري أن يقتنع طوني بلير، "المهندس" الفعلي لمسار الحرب ضد صدام حسين، في كل ما يجري، ليعلن موقفاً أوروبياً أكثر واقعية، وما لم تتوحد أطراف المقاومة العراقيةو"تتطهر" من الزرقاوي وجماعته، فإن الرئيس جورج بوش و"صقوره" المنفردين بالإدارة في واشنطن سيتابعون سياسة الحل العسكري، وتصويره على انه يشكل انتصاراً سياسياً عماده ضرب وكر الإرهاب في العراق مع ان الحل في أساسه يجب ان يكون حلاً سياسياً تحت المظلة الدولية. ويبقى ان الوجه الآخر لهذا "السقوط"، الانطلاق في مغامرة إيرانية تدخل العالم كله في المجهول.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.