غياب ياسر عرفات الرئيس و"الختيار" يفتح الساحة الفلسطينية نحو تشكل جديد بعيداً من شرعيته التاريخية التي منحته الحضور والقرار بكل ما خص الشعب الفلسطيني حاضراً ومستقبلاً. والانتقال الهادئ والسريع داخل مؤسسات حركة "فتح"، يؤكد أن عرفات لم يسم وريثاً له، لكنه ترك "حركة" قادرة وبسرعة على الإمساك بالوضع ومنع تحوله الى فوضى أهلية. والإجماع داخل "فتح" على تسمية محمود عباس (أبو مازن) مرشحاً للانتخابات الرئاسية المقبلة، يمنحه إذا ما انتخب "الشرعية الدستورية" التي تمكنه من السير بسرعة في مسار سياسي كان يريد القيام بالخطوة الأولى فيه تحت مظلة عرفات وفشل.
ومن الواضح أن الوضع الفلسطيني كله بعد سنوات أربع من "الانتفاضة المعسكرة" أصبح أكثر استعداداً وتقبلاً للتعامل مع طموح أبو مازن وهو وقف "عسكرة" الانتفاضة التي يرى أنها أساءت إليها، وعززت مواقع اليمين الإسرائيلي. ويتبيّن في ضوء السنوات الأربع من "عسكرة" الانتفاضة، أن الوضع الفلسطيني قد وصل الى "سقف" نتائج هذه الانتفاضة، فلا هو قادر ضمن موازين القوى السائدة على تجاوز السقف عسكرياً: ماذا بعد العمليات الاستشهادية والقصف بصواريخ القسام المحلية؟ وماذا بعد تدمير واقتلاع البنى التحتية في كامل أراضي السلطة وتحول المدن والقرى الفلسطينية الى "جزر" خاضعة للمجموعات المسلحة التي مهما بلغت من "براءة ثورية" لا تستطيع منع التسيّب والفوضى والتجاوزات؟
كذلك الرد الإسرائيلي لم يعد حُراً في تطبيق استراتيجية شارون التي تختصر بعبارة "إذا لم تنجح القوة التي أسفرت عن تدمير ومسح 2400 منزل في مدينة رفح وحدها، وأسقطت "الأخلاقية" التي كانت عماد الجيش الإسرائيلي في مواجهة الفلسطينيين؟ وشارون نفسه قبل بذلك عندما قال "ان سياسة السيف لن تحل القضية". وبعد رحيل عرفات، سقط الحاجز الأخير الذي وضعه شارون أمام الاستمرار في مستنقع الدماء، فكيف لا يستغل الفرصة، ليخرج من هذا "المستنقع"؟
والرئيس جورج بوش الثاني الذي التقط وبلسان وزيرة خارجيته الجديدة ـ القديمة، أن مركز الأزمة هو في النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، قادر أيضاً على الذهاب بعيداً للعمل على النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، خصوصاً وأن لديه الوسيلة وهي "خارطة الطريق"، والوعد وهو إنشاء دولة فلسطينية جنباً الى جنب مع إسرائيل، والبداية وهي في انسحاب إسرائيل من قطاع غزة أولاً على طريق الانسحاب من الضفة الغربية.
"أبو مازن" يأتي في الوقت المناسب لتحريك الوضع، كما جاء أنور السادات في الوقت المناسب لتنفيذ الحل المصري. يبقى أن أمام أبو مازن، بند في المفاوضات يعتبر التنازل عنه أخطر بكثير من تنازلات أنور السادات، وهو حق العودة. وإذا ما اضطر الى التنازل عن هذا البند، لصياغة حل الدولة الفلسطينية المنشودة، فإن لا شيء يضمن النجاح من دون ثمن غال جداً!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.