8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أزمة "لوموند" عامة

العيد الستون لصحيفة "لوموند" مرّ حزيناً برغم كلّ الاحتفالات والاصدارات الخاصة بأحداث العقود الستة الماضية الكثيرة والتي غيّر بعضها خريطة العالم جغرافياً وسياسياً. فالصحيفة الأكثر تأثيراً في مراكز القرار الفرنسية، والأكثر انتشاراً خارج فرنسا، تعيش منذ ثلاث سنوات أزمة حقيقية، ترجمتها ارتفاع خسائر الصحيفة الى أكثر من خمسين مليون يورو، وتوقع تجاوز خسارة العام 2004 أكثر من 25 مليون يورو. ولم يجد جان ماري كولومباني رئيس الصحيفة حلاً سوى تقديم عرض لتسعين محرراً وعاملاً في المطابع بالاستقالة الطوعية، وآخر بزيادة رأسمال الشركة 25 في المئة أي خمسين مليون يورو.
ومن الطبيعي ان يؤدي اعلان هذه الخسائر المتراكمة الى أزمة سرعان ما تحولت الى "زلزال" طال العمود الفقري للوموند وهو مجلس التحرير. وجاءت استقالة ادوي بلينيل مدير التحرير طوال السنوات العشر الماضية، لتكشف كل جبل الجليد الذي نجحت إدارة الصحيفة في ابقاء قمته وحدها ظاهرة فوق السطح. ولعل في كتاب الاستقالة الذي وجهه بلينيل ما يؤشر الى خطورة الأزمة، فهو يؤكد انه عمل جاهداً طوال هذه السنوات العشر الماضية للمحافظة على "استقلالية" الصحيفة. والسؤال هنا، هل شعر بلينيل بأن استقلالية الصحيفة مهدّدة ولذلك أصرّ على العودة الى صفوف المحرّرين ليعمل محققاً كما كان، وحيث لمع الى درجة انه أسقط وزراء وأصاب بسهامه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران في أزمة اغراق المخابرات الفرنسية سفينة منظمة المحافظة على البيئة "غرينبيس". وإذا كانت استقلالية "لوموند" مهددة كما يلمح البعض، وخاصة في ضوء ما ورد في كتاب الاستقالة لبلينيل، فإن ذلك ناشئ من الاتجاه لإدخال مساهمين جدد في رأسمال الصحيفة، علماً أن غالبية اسهمها (52.74 في المئة يملكها العاملون فيها) و47.26 في المئة يملكها مستثمرون وشركات. والعروض كثيرة خاصة من أوروبا ومن صحف مشهورة مثل "البايس" في اسبانيا، و"ريزولي" في ايطاليا، وأيضاً من داخل فرنسا خاصة من "هاشيت" ولا بد من أن يكون لهذه الاستثمارات التأثير على خط "الموند" بحيث لا تعود ألوان الازرق والابيض والاحمر كالعلم الفرنسي، وحدها الطاغية.
أركان الصحيفة يعترفون بالأزمة، لكنهم يقولون انها عامة وقد طاولت كل الصحافة اليومية في فرنسا. والدليل ان "الفيغارو" و"ليبراسيون" و"لو باريزيان" و"فرانس سوار" تعاني بعمق من الأزمة العامة. وقد انقذ ميشال داسو الأولى، لكن هذا الانقاذ أحدث هزة داخل أسرة التحرير تحت شعار الاستقلالية المفقودة، والثانية على الطريق ذلك أن الملياردير الكبير روتشيلد عرض شراء 35 في المئة من أسهمها ما سيسقط كل القواعد التي قامت عليها الصحيفة منذ اصدارها عام 1968 وغداة "ثورة الربيع"
والسؤال الكبير الذي تعمل كل الصحف ومراكز الابحاث المختصة في فرنسا لتقديم الاجابة عليه لعلها تسهم في انقاذ الصحافة اليومية هو: ما هي أسباب هذه الأزمة التي أدت الى فقدان الصحافة اليومية في خمس سنوات 12 في المئة من قرائها أي 800 ألف قارئ يومي؟.
الأسباب كثيرة ويمكن اختصارها بعد غربلة كل الدراسات كالآتي:
فقدت الصحافة اليومية في السنوات الثلاث الماضية جزءاً كبيراً من ميزانية الاعلانات التي انخفضت من 10 في المئة الى 8.1 في المئة لمصلحة التلفزيون.
أخذ التلفزيون حيزاً أساسياً من أوقات فراغ الفرنسيين، وجاء الاهتمام بالرياضة ليقلل من ساعات الاهتمام بالقراءة، وتؤكد دراسة موثقة أن الفرنسي الذي خصص في الاعوام الثلاثة الماضية ساعتان وسبع دقائق لمتابعة البرامج التلفزيونية، لم يخصص سوى 25 دقيقة للقراءة.
إن اهتمام جيل الشباب بالقراءة يتناقص بسرعة بسبب انتشار الانترنت وأسباب اللهو الأخرى مثل السينما والتلفزيون والرياضة. والخطير في هذه الأزمة ان هذا الجيل ومن يليه، لا يغير عاداته بعد تقدمه في السن، ما يعني أن نسبة انخفاض القراءة ستتزايد ولن تنقص.
إن كلفة الطباعة تتزايد بنسبة كبيرة، فتحديث الطباعة لم يخفض الكلفة، اضافة الى أن كلفة الورق تتزايد، فالصحف لم يعد ممكناً صدورها بعدد محدود من الصفحات، هذا دون الحديث عن الملحقات وخاصة في نهاية الأسبوع.
ظهور الصحف المجانية وأبرزها "ميترو" و"20 دقيقة ". والتي يصل توزيع الأولى منها الى 550 ألف نسخة والثانية الى 750 الف نسخة، وهذه بعد أن كانت محصورة في باريس وعدد محدود من المدن أخذت تنتشر في المدن الصغرى.
إن رأسمال الصحف ما زال محصوراً أو عائلياً، ولذلك فإن انفتاح الرأسمال على الشركات والمستثمرين يسبب أزمات عميقة، خاصة أن هذا التغيير يؤدي الى انقلاب في صيغ التعامل والتعاون بين المالكين والمحررين والعاملين في الصحف.
على الرغم من كل هذه الأسباب الوجيهة فإن الأوساط الفرنسية ترى أن المطلوب إحداث انقلاب حقيقي في الصحافة الفرنسية لأن هذه الأسباب أو بعضها لم تمنع صحيفة "الاندبندنت" البريطانية من رفع مبيعاتها 27.4 في المئة خلال العام الماضي. فهي عرفت كيف تجد صيغة أكثر ديناميكية لفتت انتباه القراء البريطانيين وخاصة الشباب منهم!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00