8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إطلاق شينو ومالبرينو "مكافأة" فرنسا على سياستها العراقية

كوفئت فرنسا في العراق، وطعنت في ظهرها في ساحل العاج، وعادت قوية إلى شمال افريقيا رغم المزاحمة والمنافسة الأميركية فيها!
والمكافأة لفرنسا والرئيس جاك شيراك كانت إطلاق الصحافيين الرهينتين كريستيان شينو، وجورج مالبرينو بعد أربعة أشهر كاملة من خطفهما على طريق اللطيفية في العراق، واعتبرت مختلف الأوساط الفرنسية، هذه "الهدية" نتيجة طبيعية للسياسة "الشيراكية" العربية الناجحة، إذ لم يحظَ مخطوف واحد في العراق، رغم تعدد جنسيات المخطوفين، بهذا "الإجماع" العربي والإسلامي الشعبي والرسمي، المطالب بإطلاق سراحهما، مكافأة لمواقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك من العراق، وأيضاً من فلسطين، وبخاصة استقباله الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في باريس للعلاج، ثم تقديم شيراك التحية لجثمان عرفات في وقت أنكر فيه بعض الغرب الرسمي، وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية على عرفات زعامته الشعبية والرسمية التاريخية.
والواقع أنه لا يمكن حصر نجاح السياسة الفرنسية وخيباتها في الجانب العربي، ففرنسا كانت حاضرة على مساحة السياسة الدولية، وفي مختلف مواقعها القديمة منها والجديدة، وذلك في وقت تتابع بالتنسيق والتوافق مع ألمانيا "قيادة" العربة الأوروبية في زمن توسع "البيت الأوروبي"، ومناقشته انضمام تركيا إليه!
ولا شك أن السياسة الفرنسية في العام 2004 عاشت حالات مختلفة أدخلت على قاموسها الاعتدال بعد التشدد الذي مارسته عام 2003، و"الانقلاب" بعد صدور القرار 1559، لكن مسار هذه السياسة بقي متمسكاً "بثوابتها" ويمكن اختصار هذه الثوابت بالآتي: رفض سياسة الدفاع الوقائي، لأنها تجعل العالم غابة يأكل فيها القوي الضعيف، والتشديد على "دور أساسي للأمم المتحدة، وأن يبقى التحرّك الدولي تحت مظلة شرعيتها"، وأن تحظى الدول "بالسيادة الشاملة على كامل أراضيها، والاستقلال الناجز والحر"، لا منافسة ولا مزاحمة الولايات المتحدة الأميركية، مع العمل على قيام عالم متعدد الأقطاب غير خاضع للأحادية الأميركية، والعمل من أجل "أنسنة العولمة".
"النزاع المركزي"
مشرقياً، أدخلت فرنسا في العام 2004 على أدبياتها ومن ثم على أدبيات الاتحاد الأوروبي، تعبير "النزاع المركزي" في الحديث عن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، كما شددت على أن هذا النزاع أصبح يشكل مفترقاً بمسار العنف الذي ينحو إلى "أم النزاعات"، ولذلك شدد ميشال بارنييه وزير الخارجية الفرنسي على أنه "أصبح ملحاً لنا وللمنطقة ولأوروبا، العثور على حل لأنه لم يعد ممكناً قبول الوضع الحالي". وإذا كانت باريس قد حاولت قبل وفاة ياسر عرفات إطلاق مبادرة أوروبية تؤدي إلى تحقيق التزام أميركي أكبر وأساسي بالعثور على هذا الحل، فإن وفاة عرفات أزالت كما رأت باريس "الحجة والعذر" من يد الإدارة الأميركية بتأجيل العمل من أجل الحل حتى قيام "طرف فلسطيني" قادر على التفاوض وفرض نتائجه. وتشدد باريس على استكمال الانتخابات الرئاسية والتشريعية في فلسطين، ومنح القيادة المنتخبة إمكانات النجاح وأن يكون الانسحاب من غزة في إطار خريطة الطريق، وليس أولاً وأخيراً، وكل ذلك في مسار يقود إلى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب دولة إسرائيل الآمنة!
وكان الحدث الأكبر في تاريخ الديبلوماسية الفرنسية منذ أكثر من ثلاثة عقود، مشاركة فرنسا مع الولايات المتحدة في إصدار القرار 1559 المتعلق بلبنان. وإذا ما أطلق عليه "الانقلاب" الفرنسي، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقات التاريخية بين فرنسا وسوريا، قد بدا في بداياته "سيفاً" مصلتاً على سوريا فإن فرنسا "صوّبت" هذا الموقف فأكدت أنه ليس لفرنسا مع سوريا ملفات كما لسوريا مع الولايات المتحدة الأميركية، فما يهمها حصول لبنان "على كامل استقلاله وسيادته". وهذا القرار تحول بعد أقل من ثلاثة أشهر إلى "جرس" للتنبيه أو التذكير أو التحذير، أمام كل خطوة أو قرار سوري يتعلق بلبنان. وإن استمرار القوات الدولية في لبنان والانتخابات التشريعية المقبلة ستكون تحت المجهر، ولذلك فإن قانون الانتخابات نفسه سيخضع للمتابعة والتدقيق وليس فقط إجراء هذه الانتخابات في جو من الشفافية.
"فالشيطان" يكمن في تفاصيل توزيع الانتخابات، ولذلك كله وبخاصة في ظل تسمية تيري رود لارسن ممثلاً الأمين العام للأمم المتحدة لن يكون "تقطيعاً للوقت الضائع" وإنما حركة لصياغة المستقبل المطلوب!
يبقى أن فرنسا ما زالت مصرّة على مواقفها في العراق، أي إنجاز روزنامة مفصلة لانسحاب القوات الأميركية والعودة إلى مظلة الأمم المتحدة للمشاركة في إعادة بناء العراق، وعدم إرسال أي جندي فرنسي إلى العراق تحت أي صيغة من الصيغ، كل هذا مع تشجيع إجراء الانتخابات من أجل تسريع قيام الدولة العراقية ومؤسساتها للإسراع في تسهيل الانسحاب الأميركي من العراق بعد أن أصبح، كما يقول وزير الخارجية الفرنسي، مثل "الثقب الأسود الذي يجذب إلى فراغه كل من يقترب منه".
3 إنجازات مغاربية
مغاربياً حقق الرئيس جاك شيراك ثلاثة إنجازات في سنة واحدة، فقد ثبت علاقات فرنسا القديمة والايجابية مع المغرب، وحقق المصالحة التاريخية مع الجزائر تمهيداً لتوقيع "الشراكة الاستثنائية" وفتح صفحة واعدة مع الزعيم الليبي معمر القذافي خلال زيارته لطرابلس وهي الأولى لرئيس فرنسي إلى الجماهيرية منذ أربعة عقود.
ويبدو واضحاً أن الديبلوماسية الفرنسية تشدد كثيراً على تحقيق اتحاد مغاربي أو على الأقل تضامن مغاربي واسع وقوي، للتحاور مع اتحاد أوروبي يتكامل رغم تعددية دوله وقومياتها ومشاكلها. فباريس تعتبر أن أمن أوروبا متكامل مع أمن شمال افريقيا مثلما أن أمن الضفة الشمالية لحوض البحر المتوسط متكامل مع الضفة الجنوبية لهذا الحوض. ويبدو جلياً، أن الحرب ضد الإرهاب قد أنضجت هذه الرؤيا الفرنسية ـ الأوروبية، إلى جانب الارتباط الاجتماعي والاقتصادي إلى حد الشراكة الكاملة.
ويعزز هذا الطرح الفرنسي الأوروبي في إنجاز الشراكة في حوض البحر المتوسط، والإسراع في حل النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والعثور على حل يزيل "الثقب الأسود" في العراق، أن وقوف تركيا على بوابة الاتحاد لم يعد مجرّد إعلان بالحضور، وإنما تحوّل إلى مسار منتج خلال العقد القادم، فإذا لم تقفل أوروبا على نفسها متحوّلة كما يقول القادة الأتراك إلى "نادي مسيحي" فإن تركيا ستصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي، وبذلك ستمتد الحدود الأوروبية إلى قلب "النزاع المركزي" أي النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي من جهة، وإلى قلب كل النزاعات والمشاكل المولدة للعنف والإرهاب في العالم. ولذلك فإن العمل على تهدئة الوضع، وفتح ثغرة للأمل والضوء في نهاية النفق المظلم الذي تمر فيه منطقة الشرق الأوسط، لا يعود مجرّد جزء من ديبلوماسية دولية ناشطة فرنسية ـ أوروبية، وإنما جزء من مستقبل مشترك.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00