زيارة الرئيس العراقي غازي الياور الى باريس، ومباحثاته مع الرئيس جاك شيراك، هي بداية رسمية لنسج علاقة فرنسية بعراق تشكل مؤسساته الدستورية، على "سندان" الاحتلال وتحت "مطرقة" المقاومة والإرهاب. لكن لقاء القمة الفرنسية ـ العراقية، هو في اساسه، "رسالة" علنية لواشنطن، لوصل ما انقطع في النسيج التاريخي للعلاقات الفرنسية ـ الاميركية بسبب الحرب في العراق.
وقد رتبت باريس اجواء الزيارة العراقية المؤجلة، بدقة دبلوماسية وسياسية واضحة. فهي رحبت بالياور في الاليزيه، واعدت طاولة مستديرة لأبرز الأحزاب والقوى العراقية، للتباحث حول النظام السياسي الفرنسي، ونظامه الانتخابي. وقد تعمدت الدبلوماسية الفرنسية ان تحضر احزاب عراقية رفضت المشاركة في الانتخابات مثل "الحزب الاسلامي العراقي"، تأكيداً منها لموقوفها المعروف وهو "ان الحوار الوطني في العراق يجب ان يكون شاملاً بأقصى قدر ممكن".
وهذه الخطوة الفرنسية باتجاه الحكم العراقي المؤقت التي تأخرت بسبب تصريحات سابقة لرئيس الوزراء اياد علاوي حول فرنسا ودورها في فترة العمل على اطلاق سراح الصحافيَين الفرنسيَين المخطوفين، أرادتها باريس لتأكيد "دعم فرنسا للعملية الانتقالية، وتشجيعاً للتنفيذ الكامل للعملية السياسية، ومساعدة الشعب العراقي على تولي امور نفسه بنفسه"، فالدبلوماسية الفرنسية تؤمن اساساً بأن لا حل في العراق إلا الحل السياسي.
وهذا المسار الفرنسي باتجاه العراق وان كان لا يخرج عن الاطار العام للسياسة الفرنسية تجاه العراق منذ انفجار ازمته، إلا انه وفي اطار التطورات الدولية الجديدة يشكل خطوة كبيرة الى الامام باتجاه الولايات المتحدة الاميركية. فواشنطن والتي كررت عشرات المرات على لسان الرئيس جورج بوش ضرورة اجراء الانتخابات التشريعية في موعدها، وتشكيل مؤسسات العراق الدستورية تمهيداً لإنجاز وعد الانسحاب العسكري المكلف جدا في العراق، ترحب بهذه السياسة الفرنسية التي تصب في "طاحونتها" العراقية!.
والواقع ان باريس وواشنطن تعملان بقوة على "جعل عام 2005 عاماً للثقة والوحدة عبر المحيط الاطلسي"، كما قال شيراك. فيما يريد بوش "التقارب مع اصدقائنا وحلفائنا الأوروبيين"، وباختصار شديد فان واشنطن الراغبة جدا في تحقيق "مصالحة" فعلية مع فرنسا وأوروبا يكون الاحتفال بها في قمة بروكسل للكبار الثمانية في 22 شباط (فبراير) المقبل، تعمل فرنسا الاوروبية على ملاقاتها في منتصف الطريق، وعبر لقاءات دورية بين ميشال بارنييه وزير الخارجية مع نظيرته كوندوليزا رايس. وهذه "المصالحة"، التي ركنها الاساسي صياغة طريقة مشرفة للانسحاب الاميركي من العراق قد تكون بدايته طلب الحكومة العراقية المعينة بعد الانتخابات التشريعية، من الادارة الاميركية صياغة جدول زمني محدد لهذه العملية، تريدها فرنسا الاوروبية مساراً متكاملاً انطلاقاً من "تحالف يستند الى الاحترام المتبادل".
وهذا المسار الفرنسي، في العمل لاستعادة العلاقات الفرنسية ـ الاميركية، بدأ قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية، بمحاولة واضحة لاستيعاب عودة جورج بوش الى البيت الابيض، وادراك فرنسي يقيني، ان لا شيء يتقدم ويتحقق بدون انخراط اميركي فاعل وموثر خاصة في منطقة الشرق الأوسط. هذه المنطقة التي تعني كثيرا لفرنسا وحدها ومع اوروبا مجتمعة. باريس ورغم خلافها مع واشنطن حول اهمية التعددية في حل الصراعات في العالم وعلى التجارة العالمية ودور حلف شمال الاطلسي في العراق، تريد ان "يتحمل" الاميركيون مسؤوليتهم التاريخية كما يقول بارنييه في احضار الفلسطينيين والاسرائيليين الى مائدة المفاوضات وضمان انسحاب اسرائيلي ناجح من قطاع غزة وبدء محادثات استناداً الى خطة السلام التي يتفق المجتمع الدولي عليها، كذلك تريد باريس وتعمل لتنفيذ القرار 1559 المتعلق بلبنان، دون ربطه الى واشنطن باي استحقاقات اميركية سواء تلك المتعلقة بالعراق او بطبيعة علاقاتها المركبة مع سوريا.
ميشال بارنييه الذي سيقوم بجولات مكوكية بين باريس وواشنطن كل ثلاثة اشهر، يؤكد ان "اللحظة الحاسمة ستكون مع مطلع الصيف المقبل". وستشكل هذه اللحظة "اختباراً" للجميع!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.