جاك شيراك "الثالث"، يخلف الرئيس جاك شيراك الثاني. لم يعد هذا الاحتمال، اشاعة سياسية في فرنسا، ولا افتراضاً لا يمكن الاجابة عنه أصبح هذا "الاستحقاق" واقعاً، تتعامل معه كل الأحزاب والقوى السياسية، وبخاصة "حزب الأغلبية الشعبية" الحاكم، لأن كل ما يجري يعنيه مباشرة، فالصراع يدور في قلبه، في وقت يجد فيه الحزب الاشتراكي المعارض نفسه يبحث عن صيغة لمواجهة هذا الاحتمال الذي بدأ سيناريو صغيراً وتحول في أقل من ستة أشهر الى مسار غني بكل الامكانات!
هذا المسار ممكن جداً، لأن الدستور ليس بحاجة الى تعديل تحقيقه صعب جداً في فرنسا. فالتعديل الدستوري لا يتم الا وفق حالات معينة، وتغييرات ضرورية ومطلوبة شعبياً. وقد سبق أن عدل الدستور قبل نهاية الولاية الثانية للرئيس جاك شيراك، فخفضت الولاية الرئاسية من سبع الى خمس سنوات، وقد طبقت مباشرة وفوراً على الولاية الثانية لشيراك، وبهذا فإن التعديل الدستوري لم يكن من اجل الرئيس وانما من أجل ترتيب "البيت الفرنسي"! وقد فتح هذا التعديل ولاية ثانية للرئيس الموجود باعتبار ان الولاية الأولى كانت في اطار الدستور غير المعدل. اضافة الى ان الولاية الثالثة لشيراك حسب التسلسل الزمني لم تكن مطروحة خاصة ان مرشحاً رئاسياً كان جاهزاً لقيادة اليمين الجمهوري ويحوز ثقة شيراك هو آلان جوبيه.
الآن وبعد غياب آلان جوبيه عن المسرح السياسي، لفترة يأمل اقطاب اليمين الجمهوري ألا تكون نهائية، فإن البديل هو نيكولا ساركوزي، الذي يوصف في فرنسا بأنه "الرجل المستعجل جداً للخلافة". فهو، وقد أثبت ذلك طوال مسيرته السياسية، مستعد لعمل كل شيء وأي شيء للفوز بالرئاسة. والمشكلة ان جاك شيراك الذي سلم له برئاسة الحزب الحاكم، لا يريد ان يراه رئيساً، مثله في ذلك مثل فرنسوا ميتران الرئيس الراحل، وميشال روكار رئيس وزرائه. حيث فضل الأول تسليم كل شيء بما فيه الحزب الاشتراكي" أطلالاً على رؤية روكار يخلفه، وجاك شيراك الذي وان كان لا يريد ان يخلفه ساركوزي الا انه كما يبدو لا يريد ترك كل شيء خلفه أطلالاً، فاتحا بذلك الباب أمام عودة الحزب الاشتراكي الى السلطة.
نيكولا ساركوزي الذي أحنى رأسه قليلاً حتى يتسلم رئاسة الحزب الحاكم، فقبل الخروج من وزارة المالية بناء على شرط قاطع من شيراك، لم ينتظر طويلاً، ففتح المعركة مباشرة ضد شيراك وضد احتمال ترشحه للرئاسة. فطلب بأن يتولى الحزب اختيار المرشح للرئاسة عنه، كما تحدى شيراك في قضية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وذلك بأن يقرر المجلس الوطني للحزب مع مندوبي الدوائر أي حوالي 1800 شخص من أصل 120 ألف عضو في الحزب بالرد على أي أوروبا يريدون؟ وأن تحظى تركيا بالشراكة المميزة بدلاً من العضوية الكاملة في الاتحاد مما يعني في رأي شيراك إلحاق "اهانة" بالسلطات التركية والأتراك. ويريد ساركوزي بهذا التحدي المزدوج اثبات "عزلة شيراك" عن الحزب!
"محدلة" شيراك، تحركت بسرعة كبيرة، فأعلن جان لوي دوبري رئيس البرلمان السابق وأحد أقرب المقربين الى شيراك، ان ما يقوم به ساركوزي يشكل "اختلالاً واضحاً يصل الى أزمة نظام". واذا بعض الوزراء المقربين من شيراك طرحوا احتمال ترشح الرئيس لولاية ثالثة، فإن وزيرة الدفاع ميشال اليوت ماري قالت: اذا كان الحل لتجنب انقسام اليمين وسقوط فرنسا في الأخطاء التي عاشتها اثناء حكم اليسار، في ترشح شيراك لولاية ثالثة فليكن ذلك". كما أشارت وزيرة الدفاع وهي "الرجل القوي" في فريق شيراك الى ان فرنسا التي تعيش فترة ذهبية على صعيد سياستها الخارجية، فإن ذلك يعود الى جاك شيراك نفسه".
طبعاً يبقى ان الحزب الاشتراكي يعيش في قلب حرب طاحنة "لفيلة" الحزب، ويجد فرنسوا هولند أمين عام الحزب صعوبة في فرض نفسه زعيماً ومرشحاً للحزب. كما ان الحزب نفسه يعاني أزمة "هوية" حقيقية، يحاول أن يجد اجابة واقعية ومناسبة للعصر الجديد، وذلك قبل حلول استحقاق الانتخابات الرئاسية في العام 2007. وقد بدأت صياغة هذه الاجابة في الاعلان خلال ندوة دراسية للحزب أطلق عليها "مستقبل فرنسا". والبداية هي في "دفن ارث ثورة الربيع عام 1968".
معركة انتخابات الرئاسة عام 2007، انطلقت باكراً. وما يحير المراقبين الفرنسيين، انه في الوقت الذي يحوز ساركوزي الأغلبية المطلقة داخل الحزب الحاكم، وفي حين فاز الحزب الاشتراكي بالاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، فإن الرئيس جاك شيراك ما زال يتمتع بشعبية تصل الى 52% على الرغم من مرور عشر سنوات له في الرئاسة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.