8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"انقلاب" فرنسي وراء القرار 1559؟

هل كان صدور القرار 1559 نتيجة "انقلاب" لفرنسا على علاقاتها التاريخية مع العالم العربي عامة وسوريا خاصة، وذلك "ثمنا" لصعودها في "القطار" الاميركي، بعد خصام وصل الى قطيعة وصدور احكام "العقاب" والمنافسة والمزاحمة في كل موقع تاريخي لاوروبا القديمة؟ وهل هذا القرار هو فعلا صياغة اولى لاتفاق جديد مع القوة الاحادية من نوع اتفاقية "سايكس بيكو"، التي قسمت النفوذ في العالم العربي بين فرنسا وبريطانيا، والان بين اوربا القديمة ممثلة بالترويكا الفرنسية ـ البريطانية الالمانية من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى؟
طبعا، ينفي الفرنسيون جملة وتفصيلا وقوع اي "انقلاب" في السياسة الفرنسية من العالم العربي عامة وسوريا ولبنان تحديدا. كل ما في الامر، تقول مصادر فرنسية مطلعة، ان باريس "تعبت" من استخدام اللغة الدبلوماسية الهادئة التي امتزجت لطول التعامل معها "بالحرارة الشرقية" فأصبحت تفهم خطأ على انها تجسيد لسياسة ضعيفة لا تملك اي قوة ولا تأثيرة، ولذلك تحولت سياسة البعض في العالم العربي ازاء فرنسا الى افضل انواع العلاقات العامة التي لا ترجمة لها على الارض وتحديدا في جال المصالح المتبادلة ومن ضمنها احترام مواقف الطرف الاخر.
وتذهب مصادر متطابقة فرنسية وعربية مقيمة في باريس في روايتها لتفاصيل صدور القرار 1559 فتقول: "ان مشروعا اميركيا يتناول الاوضاع في ايران وسوريا ولبنان، جرى تسريبه من واشنطن الى باريس اواخر نيسان (ابريل) العام الماضي، ولدى قراءة هذا المشروع، وجدت فيه الدبلوماسية الفرنسية، مشروعا فضفاضا لا يخرج عن سياق مشروع الشرق الاوسط الكبير مع اضافات اساسية تتعلق بالعمل لاصداره من الامم المتحدة، ليصبح مشروعا دوليا يتضمن خطوات تنفيذية ولاحقا عقوبات جدية، واذا كانت الاوساط الدبلوماسية الفرنسية لم تهمله فان اوساطا اخرى ومنها عربية لم تأخذه "بجدية" باعتبار انه لا يعدو مشروعا يأتي في سياق رؤية ادارة جورج بوش على ابواب الانتخابات الرئاسية.
وتشير المصادر نفسها الى ان لقاء القمة بين الرئيسين جورج بوش وجاك شيراك في 6 حزيران العام الماضي اثناء الاحتفالات بالذكرى الستين لإنزال الحلفاء في منطقة النورماندي الفرنسية، لم يكن "لقاء بروتوكليا محدوداً كما بدا للوهلة الأولى، بل كان بداية لفتح صفحة جديدة في العلاقات الشخصية، خاصة بعد ان حولتها الاحاديث الخاصة لكل من بوش وشيراك حول رأيهما ببعضهما البعض الى "خصومة شخصية وبرودة حادة في التعامل"، ويبدو استنادا الى اوساط فرنسية مطلعة، ان جاك شيراك وان كان يأمل في فوز جون كيري الذي تربطه علاقات عائلة خاصة بفرنسا فانه بعد اطلاعه على التقارير الدبلوماسية القادمة من واشنطن، ومن الاجهزة الامنية المختصة، بدا ميالا الى الاخذ بالرأي القائل بفوز جورج بوش بولاية ثانية، ولذلك اراد ان يفتح الباب باكرا للتعامل مع جورج بوش الثاني، لانه لا فائدة من هذا "الخصام"، وكذلك لانه لا يمكن حل مشكلة دولية وخاصة ازمات الشرق الاوسط بدون تعاون قائم على التضامن والتكافل التام بين اوروبا والولايات المتحدة. فالانخراط الاميركي في حل النزاعات وخاصة النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي "مطلوب وضروري وحيوي"!
وخلال لقاء قمة النورماندي، تم فتح الباب حول المشاريع الاميركية في الشرق الأوسط، دون التذكير بالماضي سواء لناحية صحة الموقف الفرنسي من العراق او خطأ الغزو الاميركي، بلا غطاء من الامم المتحدة، وبداية اتفق الرئيسان على انه يجب عدم المزج بين الملفات والازمات لان لكل "أزمة خصوصيتها" رغم بعض التقاطعات في الملفات. ولذلك فانه يجب التعامل مع الملف الايراني وخاصة الجانب النووي منه على حدة، علما ان توافق "الترويكا" الاوروبية وعملها "منتج" وشراكة بريطانيا ودورها الفاعل يجب ان يمنحا واشنطن الشعور بالاطمئنان، الى ان لا شي سيتم التوصل اليه بدون علمها! وبالنسبة للعراق فان باريس لا تقبل بهزيمة اميركية خاصة وان الحرب ضد الارهاب هي "حرب مشتركة".
يبقى لبنان وسوريا، وهنا بيت القصد، ذلك ان الرئيس جاك شيراك وجد انه من المناسب بحث الوقف مع نظيره الاميركي، كان يشعر ببعض "المرارة والعتب" من بعض المواقف السورية، وخاصة بما يتعلق بفشل تنفيذ باريس ـ 2 التي استثمر كل رصيده الشخصي دوليا وعربيا لانجاحها انطلاقا من ان امن لبنان الاقتصادي هو من امن سوريا الاقتصادي ايضا، وعدم انطلاق "القطار الاصلاحي السوري" بسرعة كافية، ورأى شيراك ان التطورات لن تحقق للبنان سيادته واستقلاله كما طالب علنا في مجلس النواب اللبناني خلال زيارته للبنان قبل سنوات، ولان شيراك كان يعرف موقف بوش وادارته من سوريا، فانه حاول التأكيد على الفعل بين موقفه من استعادة لبنان لاستقلاله وسيادته وتسوية الملفات العالقة بين واشنطن ودمشق.
وأخيراً تشدد المصادر الفرنسية واللبنانية، ان القرار 1559 سينفذ، وان عدم تنفيذ قرارات اخرى مثل 242، لا يعني أن القرار 1559 سيؤجل تنفيذه ربع قرن، واذا كان تنفيذه لن يجري وليس بسرعة القطار السريع ض.ا.ش فانه بالتأكيد لن يكون قطارا على الفحم.
وأخيراً ترفض باريس حاليا الحديث عن "خيانة" اميركية، تتم من خلالها مقايضة الملف اللبناني الذي هو من الهموم الفرنسية الرئيسية في المنطقة بالملف العراقي. ويقول مصدر دبلوماسي فرنسي: ان علاقاتنا "صريحة" و"الحاجة بيننا متبادلة"، ذلك ان فرنسا مهتمة لمتابعة النزاعيين العراقي والفلسطيني ـ الاسرائيلي وهذين الملفين يعنيان واشنطن التي يهمها ان تخرج من الاول بسلام، وأن يبقى الثاني تحت السيطرة اذا لم يكن بالامكان حله سياسياً خاصة وان الفرصة سانحة الان مع وصول محمود عباس (ابو مازن) الى الرئاسة. ولفرنسا في الملفين العراقي والفلسطيني دور له مكانته وأهميته.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00