التنسيق الفرنسي ـ المصري، ليس طارئاً وهو شامل وعميق. فالهموم تكاد تكون مشتركة والنظر إليها وكيفية التعامل معها يكاد يكون واحداً. ولعل عمق العلاقة الشخصية وتاريخها الطويل، بين الرئيسين جاك شيراك وحسني مبارك يساهم إلى حد بعيد، بأن يكون الاتفاق، كلما التقيا، ثالثهما.
ومن الطبيعي، أن يكون الملفان الساخنان وهما الانسحاب السوري من لبنان وفقاً للقرار 1559 والتهيّؤ للانسحاب الاسرائيلي من غزة، هما الأبرز غداة القمة العربية العادية التي انعقدت في ظل ظروف غير عادية وأنتجت قرارات أقل من عادية.
وهذان الملفان يعينان باريس كما القاهرة، لأن باريس صاحبة القرار 1559 مع الولايات المتحدة الأميركية، ولأنها أيضاً مصرّة على الاسراع في استثمار التغيير الحاصل لدى الفلسطينيين والاسرائيليين للخروج من دوامة العنف ورؤية الضوء في نهاية النفق الأسود.
واستناداً إلى مصادر مطلعة في باريس، فإن الرئيس جاك شيراك "متفاهم إلى درجة التطابق مع نظيره الرئيس حسني مبارك حول ضرورة تنفيذ الرئيس بشار الأسد القرار 1559 بما يتعلق بالانسحاب الكامل والشامل للقوات السورية وأجهزتها الأمنية، وفي اطار جدول زمني محدد تكون نهايته قبل إجراء الانتخابات التشريعية". وتضيف المصادر نفسها "ان مبارك وشيراك متفقان على أن تسريع السوريين لخطوتهم بالانسحاب هو لمصلحتهم، وان أي محاولة للالتفاف على تنفيذ القرار سيؤدي حكماً إلى مزيد من الخطوات القاسية من جانب المجتمع الدولي تكون ترجمتها قراراً جديداً أكثر تحديداً للمسؤوليات والواجبات والالتزامات إضافة إلى شروط محددة تتعلق بالتنفيذ".
وتشير المصادر المطلعة من العاصمة الفرنسية إلى "ان فرنسا ما زالت عند موقفها وهو ان القرار 1559 وتنفيذه من جانب سوريا، هو الملف الوحيد الذي تتعامل معه ومن خلاله مع دمشق، وبذلك فإن القرار 1559 ليس للمقايضة، وان كان يبقى بالنسبة الأميركيين مدخلاً لملفات أخرى تتعلق بطبيعة العلاقات الأميركية ـ السورية وتعود الملفات المعلقة بينهما".
وتشدد المصادر المطلعة في باريس، على ان شيراك يتفق في الرأي مع مبارك ومن خلال التنسيق الدائم بينهما، على انه تنفيذ دمشق القرار 1559 بسرعة وبدون ترك ألغام متنوعة في الساحة اللبنانية، يخلق مناخاً ايجابياً لإعادة فتح الباب أمام علاقات طبيعية بين باريس ودمشق، ذلك ان باريس لا تعمل لتغيير النظام في دمشق، وهي لا تريد أي نوع من الاضطرابات في سوريا، فهي تعلم كما القاهرة ان البديل السريع من النظام السوري هو الفوضى على طريقة العراق، وفرنسا ومصر لا تريدان بالقطع عراقاً آخر. وفي الوقت نفسه فإن باريس والقاهرة تتفقان على أن عدم تنفيذ دمشق بسرعة وبحزم للقرار 1559، يسمع لواشنطن باستخدام العصا الغليظة التي لا تريد انها فعلاً.
لكن وكما تقول المصادر المطلعة في باريس، ان المهم بعد تحقيق الانسحاب السوري، هو إجراء الانتخابات التشريعية في وقتها وفي جو من الحرية الكاملة والشفافية الحقيقية. وانه من المهم جداً، عدم السماح بتصعيد حال التوتر الأمني، ذلك ان باريس تعرف جيداً ان سوريا تملك ترك الألغام السياسية والأمنية خلفها لتنفجر وتدمر آمال اللبنانيين بالسيادة والاستقلال. وترى باريس ان حزب الله ما زال يقاوم حتى الآن الضغوط عليه للاصطفاف نهائياً في مواجهة المعارضة، ولذلك فإن باريس، على ما تؤكده المصادر المطلعة، ترى أن حزب الله قادر كحزب سياسي على الدخول بقوة في الحياة السياسية. ولذلك فإن باريس رفضت حتى الآن الضغوط الأميركية لجعل حزب الله "حزباً ارهابياً".
واستكمالاً لهذا الموقف الفرنسي الواضح من الوضع اللبناني كما يعرفه الرئيس حسني مبارك، فإن باريس وضعت مبدئياً صيغاً عدة لقرار جديد في ضوء تقرير فيتزجيرالد موفد الأمين العام كوفي أنان إلى لبنان، ذلك أن أي قرار جديد سيكون عملانياً، وسيشتد حسب القراءة الدولية للتقرير، اما إلى القرار 1566 الخاص بالإرهاب أو المادة السابعة، مثلا يمكن أن يكون قراراً جديداً بحد ذاته تحت الرقم 1560. فالمطلوب بالنسبة لباريس وللمجتمع الدولي، وهو أمر توافق عليه القاهرة، معرفة الحقيقة الكاملة حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.