دومينيك دوفيلبان، "الديبلوماسي الشاعري"، صعد سلم السلطة، واثق الخطوات وبهدوء العارف دائماً ان الرئيس جاك شيراك، يشكل له شبكة الأمان تحميه من السقوط بين أنياب بارونات اليمين الجمهوري، وإنه يقوم له اداءه بقسوة عندما يجب، حتى يأتي اليوم الذي يدق فيه الجرس لحمل قدره وخوض معركة الرئاسة. ودومينيك دوفيلبان، البرجوازي الذي عاش في المغرب وغرف منها أغنى ما في الثقافة العربية، دخل عالم جاك شيراك من الباب الواسع. اذ عندما تصالح جاك شابان دلماس المرشح العاثر الحظ للرئاسة بسبب انقلاب شيراك عليه، مع شيراك نفسه، لم يكن لديه من مطلب شخصي سوى الاهتمام بابن شقيقة زوجته دوفيلبان وهو الذي ليس له أولاد يدخلهم عالم السياسة القاسي.
وفي بلدية باريس، التي كان يرأسها جاك شيراك، صعد نجم دوفيلبان، وفي قصر الاليزيه تولى مع الرئيس ـ العراب، الأمانة العامة للرئاسة، أي حامل الاسرار وطابخ المواقف. وقد تعلم دوفيلبان الصبر الى درجة أنه فضل تولي وزارة الخارجية على الداخلية "رغم أنه لا يخاف من شيء". ومن هذه الوزارة أطل على العالم، وكان خطابه المعادي للحرب خلال أزمة العراق وقبل الغزو الأميركي، "خطاباً عالمياً" أدهش به الأوروبيين والأميركيين على السواء". وعندما دقت الساعة ورأى شيراك انه حان الوقت لكي ينزل دوفيلبان الى "الأرض"، وأن تكون "له أنياب"، أصبح وزيراً للداخلية.
من الطبيعي، وهو القريب الى "عرابه" شيراك "الى هذه الدرجة، أن يصادق دوفيلبان من يصادقه، ويوالي من يواليه ويعادي من يعاديه". ولذلك وقف دوماً في الضفة الموازية لنيكولا ساركوزي رئيس "الحزب من أجل الأغلبية الرئاسية". ولم يخف دوفيلبان أمام كل القضايا وفي المواقف، خلافه السياسي مع ساركوزي.
وفي حين يلتزم الأخير سياسة ليبرالية كاملة تجعله الأقرب الى الولايات المتحدة وسياستها، فان دوفيلبان يدافع عن المثل الجمهورية الفرنسية التي يحملها شعب ليس كالآخرين هو الشعب الفرنسي. وفي حين يرى ساركوزي أن تركيا لا يمكنها أن تكون أكثر من شريك مميز لأوروبا فان دوفيلبان يرى أنها "مؤهلة لدخول الاتحاد".
وهذه الخلافات في المواقف التي تبدأ من الوفاء الكامل لدوفيلبان لشيراك، في مواجهة الوفاء لساركوزي ومصالحه من ساركوزي نفسه، فانها تنهي حكماً في السباق المفتوح على خلافة شيراك. ففي حين يرى ساركوزي أنه "الأحق" بأن يكون مرشح الحزب وبالتالي اليمين المعتدل للرئاسة، فان دوفيلبان يرى أنه الخليفة "الطبيعي" لهذه الانتخابات؟ ولذا يخاف أقطاب اليمين أن تؤدي هذه الخلافات في المزاجات والمواقف والأهداف بين الرجلين الى عرقلة استعادة اليمين توازنه استعداداً للانتخابات الرئاسية.
الان جوبيه رئيس الوزراء السابق الذي كان المرشح الأول لخلافة شيراك كان يقول دوماً إن دوفيلبان "يصلح لأن يكون أفضل رئيس وزراء في زمن الحرب". ومن الواضح ان فرنسا تعيش بعد نكسة الاستفتاء في قلب حرب لا ترحم. فهي حرب داخلية ترمي الى اعادة امساك شيراك وحكومته بالوضع السياسي كله، بعدما تدهورت شعبية اليمين الحاكم الى أدنى نسبة لها. وأن تعمل هذه الحكومة لاستعادة ثقة الفرنسيين، واقناعهم بأن دستور الاتحاد الأوروبي ليس نهاية العالم، ولا الجحيم الذي سيحرق امتيازاتهم الاجتماعية، حتى عندما يأتي الاستفتاء المقبل ينتقلون الى الضفة الأخرى ويقترعون بـ"نعم" واقعية.
مهمة دومينيك دوفيلبان صعبة جداً لكنها ليست مستحيلة. وهو بما يملكه من اسلوب خاص مميز عن غيره من السياسيين الفرنسيين في غابة السلطة، وبما يؤكده من أنه أجل المهمات وهو يعرف أن الفرنسيين لا ينتظرون منه سياسة متواضعة، قد يستطيع النجاح.
وإذ يدرك الرئيس جاك شيراك أن المرحلة الحالية هي "زمن الحرب"، فإنه قال عن دوفيلبان إنه أفضل قائد كومندوس لدي". نقطة واحدة مختلفة عن العقود الثلاثة تقريباً التي أمضاها دوفيلبان في محيط شيراك، أنه هذه المرة يلعب للمرة الأخيرة لحسابه. فاذا نجح دخل الاليزيه واذا فشل يبقى "الديبلوماسي الشاعري" الذي يدهش لكنه لا يفرض نفسه!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.