الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، متى تم في موعده، وجاء شاملا وكاملا، يجب ان يكون بداية لمسار طويل ينتهي بقيام دولة فلسطينية قابلة للعيش سياسيا وامنيا واقتصاديا. هذا ما يريده الفلسطينيون وما يرغب فيه العالم. لكن ما تريده اسرائيل هو ان يكون الانسحاب نهاية لمسار تسوية تريدها على قياس اطماعها وطموحاتها. ولذلك ما لم تقبل اسرائيل بالانسحاب من الضفة الغربية، وتعمل لاستكمال الموقف بالتنفيذ فان معنى ذلك استمرار بقاء الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي قنبلة عنقودية موقوتة، كل قنبلة منها تستحوذ دائرة على مساحة الوطن العربي.
والانسحاب من غزة حتى ولو جاء شاملا وكاملا لا يكفي. فاذا لم يحصل الفلسطينيون على مرفأ ومطار، حيث تكون حركة الملاحة البحرية والجوية حرة ومضمونة، على ان يكون ثالث هذين الممرين الى البحر والجو، ممرا بريا يربط قطاع غزة بالضفة الغربية، ولا يهم ان يكون هذا الممر حاليا قطارا فوق الارض أو "ممرا غاطسا" اي تحت الارض، المهم ان يوجد هذا الممر الضروري والشرعي.
والخطوة التالية التي تؤكد ان الانسحاب من غزة بداية وليس نهاية، وممرا الى الدولة وليس سجنا جغرافيا مكتظا بأسراه من الغزاويين كما يقول مسؤول فلسطيني رفيع الثقة لـ"المستقبل"، ان تتوقف سياسة الاستيطان، وتتوقف خطة اعادة 42% من اراضي الضفة وليس كما هي، وكذلك وقف شفط المياه الجوفية. والواضح للفلسطينيين حتى الان ان الاسرائيليين بمختلف اتجاهاتهم وان بنسب متفاوتة، يعملون لاغراق المدن الفلسطينية وخاصة القدس باحزمة من المستوطنات لخنقها وضمها لاحقا، تحت بند لم يعد بالامكان تغيير ما قام! ويمكن للاسرائيليين وخاصة شارون، التحجج كل يوم بعملية هنا او هناك، للاستمرار في فرض سياسة الرعب على المدنيين والقلق على حياة القيادات والناشطين. لكن من المؤكد كما يقول المسؤول الفلسطيني نفسه، ان ابو مازن وحكومته ورغم الحصار الاسرائيلي والوضع الميداني الصعب والدقيق والمقلق احيانا، قد نفذوا التزاماتهم الامنية تجاه اسرائيل وتحت الرعاية الاميركية، والدليل ان كل العمليات الاستشهادية قد توقفت وكذلك العمليات في المنطقة الخضراء، وهذا يؤكد مرة اخرى قدرة الفلسطينيين، مهما بلغت خلافاتهم، على الالتزام بأي قرار يمس الامن الاستراتيجي الفلسطيني والعمل تحت سقفه مهما كان القرار صعبا وفي احيان كثيرة متعارضا مع الالتزامات السياسية والفكرية للتنظيمات الناشطة.
ولعل ابرز ما يؤكده المصدر الفلسطيني، ان ارييل شارون ومعه الطبقة السياسية الاسرائيلية يريدون تأجيل التسوية النهائية لمدة تتراوح بين 15 و20 سنة، وذلك على امل ان يكون "جيل العودة" قد غاب نهائيا اما بفعل الوفاة او العجز، وعندها يأمل الاسرائيليون ان يكون قد وصل الى القيادة جيل ولد ونشأ في الداخل وغير متأثر بقيادات جاءت من الخارج وتحمل معها كل تناقضات الطروحات القومية واليسارية، ويتمتع ببراغماتية سياسية، وواقعية عميقة في التفكير والمنهج، وهذا الجيل الجديد، يمكن الرهان على التفاوض معه على كل شيء وخارج التحصن وراء مطلب العودة لفلسطينيي 1948 و1967 والاصرار على ان يكون القدس الشريف العاصمة الطبيعية لدولة فلسطين القادمة.
والواضح في هذا التوجه ان المفاوضات التي يريدها شارون والاسرائيليون معه الان وفي المستقبل ان تقوم على الحقائق التي تتشكل على الارض، بدلا من الحقوق المتشكلة تاريخيا طوال العصور الماضية. ولذلك فان مهمة اضافية تتحملها قيادة ما بعد ياسر عرفات، هي الاستمرار في ضخ التعلق بالارض وحق العودة والقدس في الاجيال الصاعدة، وان تكون في اندفاعها على مثال المناضل الوطني مروان البرغوتي، وليس على مثال قيادات ترى وتعمل على أساس قواعد البراغماتية في التفاوض والواقعية في التعامل!
ولعل أخطر ما يراه المسؤول الفلسطيني ان الاسرائيليين يعربدون ويدفعون باتجاه حرب اهلية في غزة اساسا، حتى يقولوا للعالم "انظروا ماذا حدث بعد انسحابنا، الفلسطينيون لا يستحقون لانهم غير قادرين على ضبط شؤونهم ونزاعاتهم ديموقراطيا، قطاعا محررا فكيف بدولة مجاورة لنا"؟!
وأمام كل تعقيدات هذا الموقف الاسرائيلي، فان البديل الطبيعي لوقف هذه الخطة الاسرائيلية ان يتشكل على الارض الفلسطينية، كما يقول المسؤول الفلسطيني، انتفاضة ثالثة لتكون قفزة اضافية في طبيعة المواجهة الطويلة مع الاسرائيليين.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.