دستورياً، كل شيء ممكن. جاك شيراك تجرأ وعدل الدستور، فأصبحت الولاية الرئاسية خمس سنوات بدلاً من سبع، ولذلك صار له الحق بترشيح نفسه لدورة ثانية كون الدورة الأولى لا تحتسب.
حزبياً جاك شيراك يطل حالياً من قصر الاليزيه على مجموعة اطلال من الأحزاب حتى ولو بدا بعضها متماسكاً في الظاهر. فحزب الأغلبية (U.M.P) يتنقل من حالة تشكيل الى أخرى. والمنافسة مفتوحة حتى ولو كان نيكولا ساركوزي رئيساً للحزب. وربما لأنه الرئيس المرشح، فان الهدوء على سطح الحزب حالياً يخفي منافسات ومزاحمات وصدامات بين مختلف التيارات خاصة تلك التي تدين بالولاء لشيراك الذي يحب كثيراً سماع ساركوزي.
والحزب الاشتراكي، يكاد لا يخرج من معركة خاسرة الا ليدخل أخرى. ومثلما انعكست "اللا" الكبيرة للدستور الأوروبي على اليمين الجمهوري، فانها أيضاً اصابته بالصميم. ولذلك فان لوران فابيوس يعمل لازاحة فرنسوا هولند. والحرب مفتوحة بين "فيلة" الحزب ومن الطبيعي أن هذا الصراع الذي يجري داخل أروقة الحزب المليئة بالبورسلين كما يقول الفرنسيون، لا بد أن ينتج منه حطام. ولا يبدو الحزب الاشتراكي قادراً حتى الآن على دخول الانتخابات الرئآسية عام 2007 وان كان يستعد لها، الا اذا لم يعد بيد "فيلة" الحزب سوى استجداء عودة ليونيل جوسبان المرشح العاثر الحظ للرئاسة في الدورة الماضية، خاصة وان 53 في المئة من الحزبيين يطالبون بهذه العودة لعل جوسبان يكون دولاب الانقاذ للحزب من الفرق في زمن أصبح فيه طوني بلير رمز الاشتراكية الأوروبية!
واذا كان اليسار المتطرف يبقى خارج حسابات الانتخابات الرئاسية، يساويه في ذلك الحزب الشيوعي الذي لم يجد حتى الآن الدواء الذي يخرجه من الملعب الخلفي للحزب الاشتراكي، فان اليمين المتطرف يعاني أزمة خلافة رغم أن زعيمه التاريخي جان ماري لوبن ما زال يريد استنزاف حظه في دورة جديدة. وفي قلب المشكلة، رغبة لوبن في أن تخلفه ابنته، في حين أن "الحرس الحديدي" في الحزب يريد حلاً آخر.
لكن هذا الوضع الذي يسمح لجاك شيراك بأن يلعب لعبته بقوة، لا يعني أن الطريق أمامه مفتوحة، ذلك أن جاك شيراك، يواجه "ذئباً" لم يعد يخفي ارادته بتصفيته في حرب استباقية منذ الآن. فوزير الداخلية الحالي نيكولا ساركوزي وهو رئيس حزب الأغلبية في آن معاً، خلافاً لما كان شيراك يريده، تعمد ان يظهر علينا في احتفالات 14 تموز خلافه مع شيراك، الى درجة ابداء عدم الاحترام له وهو ما لم يحصل سابقاً. فقد أقام ساركوزي في وزارة الداخلية التي تبعد عشرين متراً عن قصر الاليزيه، حفلاً خاصاً دعا اليه بعض الصحافيين، وتعمد أن تعزف في الباحة موسيقى افلام جايمس بوند. واقفل جهاز التلفزيون عندما بدأ شيراك لقاءه مع الصحافة. ولم ينس أن يردد باستخفاف أمام الصحافيين "هل عرفتم ماذا قال الرئيس؟". وعندما رد أحد الصحافيين ان شيراك قال عنه كلاماً طيباً، رد بسخرية بالوقوف وأخذ التحية على طريقة الجنود!
والسؤال الآن كيف سينجح شيراك بالإطاحة بساركوزي؟
يبقى أن شيراك الذي ترك الباب مفتوحاً لترشيح نفسه أجاب "ستعلمون ذلك في الوقت المناسب"، يبدو أنه سيلعب لعبة صعبة ودقيقة. فإما يذهب الى النهاية ويرشح نفسه رغم ان شعبيته حالياً في الحضيض، لكن من الممكن أن يقدم نفسه للفرنسيين على أساس انه يبقى خيار الانقاذ الأخير. وأما أن يلعب من خلال هذا التصويب على الرئاسة، لعبة البلياردو. فينجح في اطاحة ساركوزي ليفتح الطريق أمام مرشحه الطبيعي دومينيك دوفيليان. والطريق ما زال طويلاً، لمعرفة الهدف الأخير للاعب مثل شيراك أمضى حياته في خضم الحياة السياسية منذ أربعة عقود!.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.