لم يعد يوجد خط أحمر لسعر برميل النفط. قبل فترة قصيرة، كان الخط الأحمر هو خمسين دولار. الآن يتجاوز الستين دولاراً. في شتاء العام المقبل، أو في مطلع الصيف المقبل أي بعد سنة من الآن، يجب ألا يفاجأ أحد إذا تجاوز سعر برميل النفط مبلغ مئة دولار ووصل الى 120 دولاراً. ويشدد خبير نفطي أوروبي على "إن هذا التوجه ليس تهويلاً ولا نتيجة لنظرة تشاؤمية، وإنما بعد قراءة واقعية لحالة سوق النفط، ومتابعة للأسباب والعوامل الحقيقية في كل ما يحصل".
ويرى الخبير النفطي الأوروبي أولاً، إن الحديث حالياً عن سعر يلامس الخمسين دولاراً البرميل الواحد، ليس واقعياً، ذلك أن السعر الفعلي (عندما يكون سعر السوق أقل من خمسين دولاراً البرميل الواحد) يصل الى 70 دولاراً. والفارق الكبير ناتج عن الفارق بين سعر برميل النفط الخفيف الذي يكون سعره مرتفعاً ويصل الى 49 دولاراً وسعر برميل النفط الثقيل المنخفض الثمن والذي يصل الى 29 دولاراً كما بالنسبة للنفط الفنزويلي. كما يجب الأخذ في الاعتبار الفارق بين سعر التسلّم والتسليم وهو أيضاً كبير.
لكن على الرغم من أهمية كل هذه الاعتبارات، فإن الأهم كما يقول الخبير النفطي الدولي، يكمن في:
* إن محطات النفط والتكرير تعاني "حالة اختناق". فقد وصلت قدرة هذه المصافي في مختلف أنحاء العالم الى أقصى طاقاتها. ويعود هذا العجز الخطير الى عدم بناء مصاف جديدة في العالم طوال العقود الأخيرة. وإن الرأي السائد كان في عدم توسيع الاستثمار في هذا القطاع، حتى استيقظ أخيراً ولذلك يتم بناء محطة في الكويت بقدرة 700 ألف برميل، وأخرى في ألمانيا أطلق عليها اسم "لونا". أما مصافي العراق فيلزمها أعمال صيانة وتحسينات تقنية وآلية لفترة تمتد ثلاث سنوات.
* انخفاض قدرة قطاع نقل النفط على تلبية حاجات السوق بسبب عدم التوازن بين عدد الناقلات الذي انخفض بسبب جمود عملية بناء ناقلات جديدة، خصوصاً وأن كلفة بنائها أصبحت ضخمة جداً بسبب الشروط الجديدة على صعيد تجهيزاتها وأحجامها. وقد أدى هذا الانخفاض والفرق الكبير بين العرض والطلب في هذا القطاع الى ارتفاع قياسي في كلفة النقل، ما أدى أيضاً وسيؤدي لسنوات ثلاث مقبلة، الى زيادة ملحوظة في سعر النفط.
وإلى جانب هذا الوضع الناشئ عن طبيعة صناعة النفط وليس في مسألة كمياته الكافية حتى الآن، يجب اضافة عامل استهلاكي جديد، ناشئ عن دخول الصين بقوة واندفاع الى سوق استهلاك النفط، نتيجة لفورة نموها الاقتصادي الهائلة. خاصة في قطاع الصناعة والملاحظة أن الصين تركز كثيراً على سوق النفط الخفيف الموجود خاصة في ليبيا واليمن. وقد زاد حجم استهلاك الصين نحو 15 في المئة. ويرى المصدر نفسه أن الصين بامكانها تحمل وصول سعر برميل النفط الى مائة دولار. ويضيف العالم سواء أميركا أو أوروبا يستطيعان مواجهة ارتفاع سعر برميل النفط الى مائة دولار. ولكن يتوجب عليها البحث عن مصادر جديدة للطاقة وبسرعة اذا وصل الى سعره الى 120 دولار فهذا السعر هو خط أحمر لاقتصاد مختلف الدول.
وفي هذا الاطار يرى الخبير نفسه أن ارتفاع سعر النفط يزعج الغرب لكن لا يقلقه، لأنه لا يشكل كما يعتقد البعض ضربة قاضية، وان كانت موجعة. فالمهم أن تبقى حركة عجلة الاقتصاد في هذه الدول دائرة، والتوازن يبقى قائماً بين ارتفاع سعر النفط وما يعود الى هذه الدول من عائدات تشعل آلة اقتصادها.
والبديل كل ذلك في حال وقوع المحظور وكسر سعر البرميل للخط الأحمر، وهو 120 دولاراً، فانه يجب الاسراع في تطوير سوق بناء مصافي النفط وتطويرها، من جهة والاسراع في بناء ناقلات نفط ضخمة جداً ذات تقنيات حديثة. ويبدو أن سياسة دولية منتجة ومثمرة في هذين القطاعين تقتضي فترة ثلاث سنوات من العمل الجاد والواسع.
واستكمالاً لذلك، فان العمل على استثمار حقول نفطية جديدة يبدو ملحاً، والمعروف كما يقول المصدر الدولي نفسه أن الاحتياط النفطي موجود بكثافة وبكميات ضخمة جداً في مناطق جغرافية لم تستثمر بعد كما يجب، وخاصة في منطقة البحيرات الكبرى والكونغو ـ كنشاسا. واذا كان العمق الهائل الذي يزيد عن أربعة آلاف متر لاحتياط هذا النفط قد حال في الماضي دون استخراجه واستثماره، فان تطور تقنية استخراج النفط من الاعماق سواء عن طريق ضخ بخار مرتفع الحرارة، أو مواد كيميائية خاصة لتشكل قوة اندفاع لهذا النفط اضافة الى الحاجات المتزايدة للنفط حتى العثور على طاقة بديلة كلفتها معقولة وقادرة على تلبية حاجات السوق الاستهلاكية والصناعية، كل ذلك يدفع باتجاه الاستثمار في هذه القطاعات الجديدة لاحتياط النفط.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.