عودة تنظيم "القاعدة" إلى واجهة الأحداث الدولية، تؤكد ان الحرب العالمية الثالثة ما زالت في بداياتها، وأن الآتي ربما يكون أعظم. فهذه الحرب التي بدأت في 11 أيلول 2001، والتي تمتد جذورها إلى بدايات "الجهاد" ضد السوفيات في افغانستان، جعلت "القاعدة" يتلقى ضربات موجعة في افغانستان، حتى ولو ان جبال تورا بورا لم تلفظ أسامة بن لادن ولا الشيخ عمر زعيم الطالبان، وهذه الضربات هي التي أجبرت تنظيم "القاعدة" على الانكفاء، بعدما قُبض على العديد من قادته، وقُتل بعض أبرز معاوني بن لادن.
لكن هذا الانكفاء، وكما تؤكد التطورات، لم يتحوّل مطلقاً إلى استسلام يصيغ معادلات جديدة لعالم جديد. بالعكس، تثبت التطورات انه جرى استخدام هذا الانكفاء وفي فترة معقولة من الزمن، خصوصاً مع انقطاع الاتصالات وتفكيك حلقات كاملة على مساحة الأرض، لاستعادة الحياة والحركة. ومن الواضح ان العراق الذي لم يكن يوماً أرضاً مفتوحة للإرهاب وشبكاته تحوّل إلى قاعدة أمامية، قادرة على استخراج احتياط هائل من الشباب الغاضب، تحت دعوى مقاومة الاحتلال الأميركي، من جهة، وإلى نموذج ميداني لفروع "القاعدة" تمتد من باكستان إلى بريطانيا، ومن اندونيسيا إلى اليمن وشرم الشيخ، بعضها كان قد ولد، فنما وصلب عوده، وبعضها تكوّن ليتشكّل لاحقاً بسرعة، كما يظهر ان العراق تحوّلت بعض زواياه الحصينة إلى مخيمات للتدريب ولتصوير العناصر، بعد ان شكّلت افغانستان من العام 1988 وحتى العام 2001 "القاعدة الأم".
ويبدو جلياً ان هذا الانكفاء، إلى جانب الاستراتيجية الهجومية التي طبقتها في العالم الولايات المتحدة الأميركية تدعمها في ذلك مختلف دول العالم، قد دفع باتجاه "ولادة جديدة" تعتمد على اللامركزية الشديدة لفروع "القاعدة"، بحيث تأخذ شكل الخلايا العنقودية الصغيرة التي لا يشكّل كشف احداها سقوطاً لواحدة ناشطة أو نائمة، وأن يكون بقدرة هذه القاعدة "العمل بلا حدود" و"خارج الحدود"، وهي في عملها هذا تخضع لتوجيه عام من مركز العصب الذي ما زال حياً. وفي وقت تنشط فيه "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، و"كتائب أبو حفص المصري ـ لواء أوروبا" وقاعدة "الجهاد في بلاد الشام وأرض الكنانة ـ كتائب الشهيد عبدالله عزام"، و"قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية" وغيرها من "القواعد"، فإنها تعتمد استراتيجية واضحة تقوم على:
حرية كاملة لكل "قاعدة" انطلاقاً من إمساكها للشروط والقواعد التي تفرضها عليها جغرافية حركتها وسياسة خصومها.
سقوط جميع الخطوط الحمر في العمليات فلا حصانة لمسلم على آخر، ولا لطفل على جندي ولا لسكن على خندق. وهذه المساواة في القتل والتدمير تؤكد ان الحرب العالمية الثالثة ستشهد مزيداً من التصعيد، يجعل العنف السابق والحالي مجرّد حصيلة متواضعة لتدريبات ميدانية متوالية.
ان هذه الخلايا العنقودية المتشكلة حديثاً، تضم أجيالاً من شرائح اجتماعية متوسطة ومتعلمة لم تعرف الفقر المرّ بقدر ما تعرف الحقد الفكري المشبّع بصور القهر اليومية. وخطورة هذه الولادات تتمثل في ان الذاهبين إلى الموت عن معرفة ووعي كاملين يأخذون في طريقهم كل المحرمات ويسقطون كل التحصينات.
ان سلسلة عمليات "القواعد"، تكاد تكون تطبيقاً كاملاً لمعادلة قديمة وهي ضرب الأطراف بهدف محاصرة المركز، وبعيداً عن رفض دعاوى وفتاوى هذه "القواعد"، فإن تحييد "المركز" وهو إسرائيل من العمليات قد يكون ناشئاً عن فكر يقول بإضعاف كل الأطراف والقوى التي تدعمها حتى تتساقط دفاعاتها ويصبح استهدافها فيما بعد أكثر يسراً وسهولة. ومن المؤلم ان هذه الاستراتيجية تسعد الإسرائيليين، لأنه من الآن وحتى تنتهي الحرب العالمية الثالثة، يكون الجميع في حال ضعف يمكن التعامل معها تبعاً لشروط التحالفات والعداء.
ان كل الطرق لكل هذه "القواعد" تمر كما يبدو في باكستان، وقد لا يكون ذلك صدفة. ذلك ان باكستان بمدارسها الدينية شكلت "الحاضنة" للطالبان وهي الآن بجبالها تشكل الحصن الجغرافي لملهم "القواعد" أسامة بن لادن.
الحرب العالمية الثانية، انتصر فيها الحلفاء لأنها كانت ضد خصم معروف ومكشوف وفوق رقعة محدودة مهما كانت جغرافيتها شاسعة. أما الحرب العالمية الثالثة، فإن النصر فيها أصعب بكثير، لأن خصمها وإن كان معروفاً، فإنه ليس مكشوفاً وإن كان له اسم فإنه تحوّل إلى رمز، وهي تجري فوق أرض غير محدودة وعلى مساحة الكرة الأرضية، والأهم ان أسبابها أكثر تعقيداً من طموح شخص بحجم هتلر، فهي تبدأ من أرض مشتركة هي الفقر والاستغلال وتنتهي في إنكار حقوق شعوب كاملة بالحياة الحرة والكريمة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.