تتصرف الإدارة الأميركية في واشنطن على أساس ان الانسحاب الإسرائيلي من غزة ما عاد موضع بحث وأن السؤال الأساسي هو: ماذا سيحصل في اليوم التالي )retfA yaD ehT( للانسحاب؟
والمشكلة كما نقلت مجموعة فلسطينية التقت اوساطا اميركية على علاقة بملف الشرق الأوسط، ان النظرة الأميركية لليوم التالي "سوداء". اذ ترى هذه الأوساط الأميركية ان الاحتمال الكبير لمستقبل غزة هو "القرصنة اي وجود سلطة غير قادرة على الحسم وعلى الحركة الحرة، واتخاذ القرارات الحاسمة، وفوضى دموية في كثير من الاحوال، تفرض نشوء جزر خارجة على السلطة وخاضعة لسلطة المسلحين.
واستكمالا لهذا التصور فإن غزة ستقع "ضحية" لتنافس حاد على السلطة بين قوى عدة وبالتالي احتمال تشرذم حركة فتح بين "أهل الداخل" و "اهل الخارج" وهو تنافس قديم لكنه عميق ومؤثر لكونه يعني الشباب الذين نشطوا في الانتفاضة الاخيرة، وبطبيعة الحال مجموعة "شهداء الاقصى". ومما يساهم في "شرذمة فتح" كما ترى هذه المصادر ان حركة فتح غير ممأسسة ولا أحد يحمل فيها بطاقة عضوية، ويصعب بل يستحيل فتح باب العضوية امام المنتسبين قبل الانتخابات كما سيعين ذلك من فتح الباب أمام قوى وتيارات تخاف "فتح" ان تخترقها.
وتبقى حركة "حماس" عقدة العقد، ورغم ان واشنطن ارتاحت من هذا الهم عندما الصقت بها صفة الارهاب، فان الاوساط الاميركية نفسها والمطلعة جدا على الوضع، ترى ان مشكلة حقيقية عاجلة أو آجلة ستواجه الادارة الاميركية، اذ ما العمل اذا سيطرت حماس على غزة عبر صناديق الاقتراع؟ ومما يعزز هذه المخاوف ان حركة حماس نجحت خلال الصدامات الاخيرة مع السلطة الفلسطينية على خلفية اطلاق صواريخ القسام خلف الخط الاخضر، في انزال "قوات المرابطون"الى شوارع وزواريب الاحياء "الحمساوية" في غزة، واضطرت السلطة تحت ضغط خطر الحرب الأهلية الى المهادنة وحتى المصالحة.
أما حركة الجهاد، فإنها وان كان عديدها قليلا لكن تأثيرها كبير لانها قادرة على خربطة الوضع كله، وهي الوحيدة، بعكس باقي القوى ومنها حماس، التي لن تكسب شيئاً على الارض بعد الانسحاب الاسرائيلي، ولذا يمكن ان تكون عود الثقاب الذي يشعل برميل البارود في غزة.
لكن المجموعة الفلسطينية التي استمتعت بهدوء وتابعت بدقة ما قالته لها الأوساط الاميركية، ردت على ذلك ان "اليوم التالي" لا يختصر المستقبل، وأن الواقع الفلسطيني مهما كان يحمل في طياته من أخطار نتيجة للمنافسة، فان الفلسطينيين يعرفون وهم اكدوا ذلك مرارا في مراحل تاريخية معينة، ان الوحدة الوطنية خط احمر ولا يمكن تجاوزه خاصة وأن تحرير غزة لا يفك قيود الضفة الغربية ولا يجلي الاحتلال والاستيطان عنها.
وأشارت المجموعة الفلسطينية، الى ان المشكلة الحقيقية كما طرحها ابو مازن امام الرئيس الاميركي جورج بوش، هي ضرورة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في غزة والضفة، وأن تكون متصلة، الى جانب اسرائيل واذا كان هذا الهدف مستقبليا فإنه من الملح الان ولتحويل الانسحاب الاسرائيلي الى حافز للغزاويين للهدوء والالتفات نحو المستقبل، الا تتحول غزة الى سجن صحراوي لمليون وثلاثمئة الف فلسطيني، ولذا مطلوب فتح المطار واعادة بناء الميناء وفتح الممرات، ويستطيع الرئيس بوش التفاهم مع اسرائيل وتحديدا ارييل شارون في هذا الشأن. لكن المجموعة الفلسطينية سمعت من الاوساط الاميركية المتعاطفة مع ارييل شارون على اساس انه يقوم بمخاطرة كبيرة بالانسحاب من غزة، ان اعادة فتح المطار مستحيلة في المدى المنظور ولو تحت رَقابة لا تكون اسرائيل بعيدة منها، اما عملية اعادة بناء مرفأ غزة الذي كان الاتحاد الأوروبي قد موّل عملية بنائه، فإنها ممكنة على اساس انها تتطلب فترة لا تقل ثلاث سنوات، وهي فترة كافية لمعرفة نتائج الانسحاب.
وشددت المجموعة الفلسطينية على ضرورة اقناع شارون بتحقيق ضغوطه على ابو مازن الضعيف اصلا، الا اذا كان الهدف الاسرائيلي والذي توافق عليه واشنطن اغراق غزة في الفوضى او دفعها نحو "العرقنة"، اي تحويل الاحتمال الى واقع.
ولفتت المجموعة الفلسطينية الاوساط الاميركية نفسها الى ان "عرقنة" غزة لن تريح الاسرائيليين لان شظاياها هذه "العرقنة" ستلغي "الخط الأخضر" كما ان دفع "الضفاويين" نحو اليأس سيؤدي عاجلا ام آجلاً إلى انتفاضة جديدة أشد عنفا، وأكثر تعقيداً وأطول زمنياً، خاصة وأن نتيجتها ستكون انتصارا لمشروع على مشروع والعكس صحيح!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.