8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

موريتانيا: كلمة السر الفرنسية

الدول الصغيرة المحاصرة بالجغرافيا مثل موريتانيا، الغارقة في رمال متحركة لنزاع معقد تختلط فيه المطالب الوطنية بالمصالح الضيقة مثل نزاع الصحراء الغربية، والطارئة عليها حرب مفتوحة على كل المخاطر مثل الحرب ضد الإرهاب، قدرها ألا تستقر ولا تعرف سوى الأزمات. وإذا ما أضيف الى كل ذلك، نظام تغافل عن عمق الانتماء القومي والإسلامي لشعبه، فقفز من ضفاف المحيط الأطلسي الى ضفاف البحر المتوسط طلباً لرعاية لا معنى لها في ظل حاجة الولايات المتحدة الأميركية له وليس العكس.
ومتى جرى وضع كل هذا الخليط المتفجر في قلب ثروة من الغاز والنفط خارجة حديثاً الى العلن، وأخيراً إذا ما غرق النظام في أسر دوائره الصاعدة من ارتباطات عائلية أو جهوية ضيقة، فإن "أبغض الحلال" يقع وهو الانقلاب العسكري حتى ولو كان في زمن يكاد فيه العالم أن ينسى وقع البلاغ الرقم واحد!
والواقع أن "الانقلاب الأبيض" الذي أطاح الرئيس معاوية ولد سيدي الطايع، لم يكن مفاجأة، فقد خسر الرئيس معاوية الشرعية الشعبية قبل أن يفقد ثقة العسكر وعلى رأسهم صديقه ومعاونه في الانقلاب الأول ضد الرئيس محمد خونه ولد هيدالة قبل 21 سنة. ولعل النجاح البارز للرئيس معاوية في السنوات الأخيرة هو توحيد جميع أطياف المجتمع الموريتاني العرقية والسياسية والقبلية ضده. لكن كل ذلك تفسير جزئي وليس كل الأسباب.
لقد سقط معاوية ولد سيدي الطايع، لأنه تحت وطأة الخوف من "الخطر الإسلامي" نسي معادلة التوازن الدقيق التي تحفظ له ظهره. فالنظام المخلوع نسي أنه لا يمكن له ولأسباب تاريخية وجغرافية وسياسية، أن يدير ظهره كلياً ونهائياً لفرنسا، والسقوط في أحضان الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً إذا جرى ذلك في زمن اكتشاف النفط والغاز، حيث يقدر احتياط موريتانيا بمليار برميل نفط و30 مليار متر مكعب من الغاز، والبحث عن حل جديد ضائع لنزاع الصحراء الغربية.
ولا شك أن استعداء باريس بهذا الشكل دفع الديبلوماسية الفرنسية للتعامل مع الانقلاب الأبيض "بهدوء وعناية ودراسة"، علماً أن باريس تنتهج سياسة متشددة جداً حيال الانقلابات العسكرية في افريقيا. وفي هذا الجانب، ليس غريباً، أن يكون أول رئيس للوزراء في النظام الجديد في نواكشوط سفير النظام السابق في باريس، فهو من طبيعة العلاقات، يعرف كلمة السر الفرنسية.
وجاءت عملية "القاعدة" ضد ثكنة لمغيطي لتعمق انخراط نظام معاوية ولد الطايع الى جانب الأميركيين في الحرب المفتوحة ضد الإرهاب وصار التعاون العسكري الأميركي ـ الجزائري ضد الإرهاب في مثلث الصحراء وبخاصة على الحدود مع مالي ثلاثياً بوجود موريتانيا. وأياً كانت مشروعية هذا، فإن المغرب لا يمكن أن ينظر بعين الاطمئنان الى ذلك، خصوصاً وأن هبوب الرياح الساخنة على العلاقات المغربية ـ الجزائرية قد أطاح قمة الاتحاد المغاربي، ولذلك كله لم يكن مفاجئاً أن يكون أول مسؤول يزور نواكشوط رجل ثقة العاهل المغربي مسؤول المخابرات الخارجية. وتحول طنجة الى ملاذ للرئيس الموريتاني السابق لا يعني أكثر من ضبط لايقاع ضابط تمرس بالسلطة لفترة 21 عاماً، مما يجعله عارفاً بدقة التفاصيل الصغيرة للعلاقات والتحالفات داخل النظام الجديد وخارجه.
تبقى المشكلة الكبيرة مع الولايات المتحدة الأميركية. إذ لا يمكن لواشنطن القبول بأن يدير النظام الجديد ظهره لها، ولديها الحجة الكافية لتحويل مثل هذا الموقف الى رفض لمحاربة الإرهاب، وهو اتهام خطير خصوصاً أن النظام السابق كان منخرطاً عسكرياً في هذه الحرب، كما أن المشكلة الإضافية والحساسة التي تواجه النظام الموريتاني هي مسألة العلاقات مع إسرائيل، فالطبيعي أن تقطع هذه العلاقات التزاماً منه بمطالب الموريتانيين. والقيام بذلك قد يقود الى زيادة غضب الإدارة الأميركية، إذ ليس سهلاً ولا حتى مقبولاً بالنسبة لها قطع الدولة العربية الثالثة بعد مصر والأردن لعلاقاتها مع إسرائيل.
أمام هذا الوضع، يبدو وضع موريتانيا أكثر تعقيداً من السابق، وعلى النظام الجديد أن ينجح في خلق معادلة توفق بين التزاماته ومصالحه من جهة، وإرادة الموريتانيين من جهة أخرى. أما خارجياً فإن على النظام الجديد السير بهدوء فوق خط النار الجزائري المغربي، وعدم السقوط بين حجري رحى التنافس الأميركي الفرنسي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00