يبدأ معارض عراقي (قومي عربي وشيعي) حديثه عن العراق بالقول بأسى: "الشعب العراقي أرهق وأحبط وغرق بالقدرية". ويشدد العائد من "جحيم بغداد" بعدما أمضى فيه أربعة أشهر على "أن كل شيء ينقص العراقي في حياته اليومية باستثناء الموت. فالكهرباء تفد على البغداديين دون غيرهم ساعة واحدة كل خمس ساعات، في وقت تصل فيه الحرارة في تموز وآب الى خمسين درجة مئوية وأيضاً مياه الشفة شبه مقطوعة. وكل ذلك في وقت تحولت المنازل الى سجون مفتوحة، لأن التنقل بين حي وحي مغامرة على وقع القلق والرعب، ليس فقط بسبب قوافل الجيش الأميركي التي تطلق النار بمجرد اقتراب السيارة من أي عربة مسلحة أقل من مائة متر وانما ايضاً من السيارات المفخخة والانتحاريين العاملين ضد المدنيين والاستشهاديين ضد الأميركيين".
ولا ينسى المعارض العراقي للنظام السابق والحالي قبل أن يدخل في تفاصيل "هذا الجحيم البغدادي اليومي"، من التأكيد على "أن المشروع الأميركي للمحافظين المتشددين أصبح استنزاف كل القوى لصالح الادارة الأميركية، بعد أن غرق مشروع الشرق الأوسط الكبير في الرمال الساخنة للشرق وخاصة في العراق".
يقول المعارض العراقي بداية أن التصاعد اليومي للعمليات بات مكلفاً للأميركيين وأخذت ترهقهم. لكن لأن هذه العمليات لا توفر المدنيين العراقيين، فان الشك أصبح سيد الموقف. والعراقي اليوم أصبح يشك بكل شيء، ولم يعد يصدق أحد، وهو يضع يده على قلبه من أن يتم تمزيق العراق. فالمقاومة هي مقاومات، وهي بعد عامين من ارهاصاتها لا تتمتع بعنوان ثابت ولا أسماء محددة، ولا تنظيم عنقودي أو أي تنظيم آخر. وهي تعتمد في نموها على بقايا من رجال الجيش والشرطة، ورجال من انصار النظام القديم. والأخطر من كل ذلك أن هذه المقاومات لا مشروع سياسي لها، وهي لا تؤسس لدولة حديثة. وهي حتى لا تتمتع باجماع وطني، وبدلاً من أن تكون مثل السمكة التي تسبح في مجتمعاتها، فان المجتمع المدني يشعر وكأنه يعيش بين سندان التعبئة اليومي سواء على الصعيد الوطني أو حتى الكرامة الشخصية، ومطرقة الارهاب المرمز اليه بالزرقاوي، فضلاً عن العنف القاتل للأميركيين".
ولا ينسى المعارض العراقي أن يذكر أن أطرافاً عراقية تشوش على المقاومة "لكن يجب الاعتراف بأن العمليات الطائفية التي نعيش مفاعيلها واثارها في التفجيرات ضد الجوامع والأحياء بطريقة تبدو وكأن كل عملية هي رد مذهبي على الأخرى، بعضها منظم من الخارج وخاصة من الاسرائيليين. فالموساد الاسرائيلي ناشط في العراق". وعلى الرغم من معارضته العلنية فانه يرى أن ثمة خطة فعلية لمنع قيام جيش عراقي يكون بديلاً من القوات الأميركية "وهذا يتم عبر حملات التشكيك الدائمة فيه وزرع عدم الثقة بين أفراده وضباطه من جهة، وبينه وبين العراقيين من جهة أخرى وخاصة عبر محاولة شده الى الطائفية والمذهبية والعرقية. والأميركيون لا يبدو أنهم يستعجلون بناء هذا الجيش العراقي المكتمل عدداً وعدة، ويبدو ذلك واضحاً من مسار التدريبات والتجهيزات التي بدلاً من أن تسير بسرعة الرشاش فانها تجري على وقع بدايات القرن الماضي".
ويتابع المعارض العراقي ان "كل هذا يجري في جو من الفساد السياسي والمالي والاداري مع عدم وجود مقدمات اقتصادية تبشر بوجود فرصة مستقبلية. فالفساد لم يعد محصوراً برشوة بل هو أصبح عمليات سرقة بمئات ملايين الدولارات يومياً، من قبل فاسدين في ادارة الدولة يرون ويعرفون أن وجودهم موقت في السلطة، فهم دخلوا اليها دون قواعد شعبية وسياسية وما يجري لا يسمح لهم، حتى ولو أرادوا، بناء الشرعية الشعبية المطلوبة".
ويضيف المعارض العراقي لقد أمضى نواب منتخبون من الشعب العراقي أربعين يوماً في مناقشة مخصصاتهم، وثلاثة أشهر لتشكيل الوزارة اما كيفية اصلاح الكهرباء والمياه وانقاذ العراقيين من العطش والاحباط فلم تأخذ حتى اليوم ساعة واحدة من المناقشات في هذا المجلس المنتخب. فكيف يمكن للعراقي منح الشرعية الشعبية لهكذا طبقة سياسية؟".
والكلام عن الوضع في العراق ينتقل مع المعارض العراقي في كل محطة من سوداوية الى تشاؤم أكثر سوداوية، حتى وكأن الحاضر أسوأ من الماضي والمستقبل أسوأ من الحاضر. "فالقوى السياسية تتبادل عمليات ابتزاز يومية وكل طرف سياسي، سواء كان كردياً أو عربياً يقوم باستثمار مشروعه الخاص. ولا يتوقف هذا الاستثمار الذي مردوده الغرق في العرقية والطائفية، عند هذا الحد بل يمتد ليصبح حالة أخرى داخل كل طائفة على هذه. واذا كان الكلام الرائج عن "اخواننا السنة" هو صناعة أميركية هدفها تعميق الشرح المذهبي فان هدفه أيضاً دفع العراقيين نحو حافة الحرب الأهلية، عبر اكتمال هذا المشروع الأميركي مع مشاركة من جانب بعض السياسيين الشيعة الى العمل على تفريغ الشيعية السياسية من وطنيتها.
فالوجه الآخر لعملة اخواننا السنة العرب هو نسب الشيعة الى الفرس، لكون الترجمة العملية لصيغة السنة العرب هي الشيعة الفرس".
ويختم المعارض العراقي كلامه بالقول "ان الطائفية ولغتها اليومية تكفر الجميع. وبدعة ديموقراطية الطوائف وان وجدت صيغتها في "اللبننة"، فانها في "العرقنة" لعبة مكشوفة ومفضوحة بنار الحرب الأهلية، ويجري هذا في وقت كل طرف خارجي له لعبته الخاصة فالايرانيون والسوريون، يريدون العراق مساحة مفتوحة لمتابعة ارهاق الأميركيين، والأتراك للوقوف في وجه الطموحات الانفصالية للاكراد. مع العلم أن شظايا النار العراقية قاتلة للجميع!".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.