8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

التحوّل الأميركي في نزاع الصحراء

إلغاء قمة الاتحاد المغاربي، لم يلغ الجهود السياسية لوقف التدهور في العلاقات الجزائرية ـ المغربية، والعمل لإبعاد هذه العلاقات عن حافة الهاوية، ولعل التفاهم الدولي الضمني بين فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية حول ضرورة حصر الخلافات في دائرة المقاطعة وعدم وضعها فوق نار حامية، من جهة، ووجوب إصلاح العلاقات الجزائرية ـ المغربية حتى ولو بمعزل عن استمرار الخلاف حول الصحراء، قد ساهمت جدياً في حصر النتائج عند الحدث نفسه.
وما إطلاق الدفعة الأخيرة من الأسرى المغاربة لدى البوليساريو والذين مضى على بعضهم 20 سنة، سوى التأكيد مجدداً أن إبعاد التنافس الفرنسي، الاميركي عن العلاقات في افريقيا كلها وليس شمال افريقيا وحدها، يفتح الباب نحو الهدوء وصدور قرارات منتجة وحتى انسانية، إذ ما ذنب الجندي المغربي أن يبقى أسيراً لفترة عشرين عاماً لدى شقيقه الصحراوي؟ ولم يعد سراً أن واشنطن لعبت دوراً إيجابياً وفعالاً في عملية إطلاق سراح 404 أسرى مغاربة، ولذلك سارع رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الأميركي ريتشارد لوغر الذي التقى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الى القول ان الافراج عن الأسرى المغاربة أعطى زخماً جديداً للجهود الرامية الى حل النزاع مشدداً على أهمية أن يسبق ذلك "تحسين العلاقات بين الجزائر والمغرب".
الجهد الأميركي الكبير، لإتمام عملية إطلاق سراح الأسرى المغاربة والذي وصفته واشنطن "بالانتصار الانساني" لم ينجح لأسباب انسانية بحتة وإنما لجملة تطورات وتحولات جزائرية ومغربية مهمة.
ورغم أن الجزائر كانت ترفض دائماً، أن تكون طرفاً مباشراً في النزاع على الصحراء، تاركة المسألة كلها للبوليساريو، إلا أنها هذه المرة لعبت دوراً أساسياً ومباشراً في العملية. وتعيد الأوساط الجزائرية هذا التحوّل، الى رغبة الجزائر في التخلص من ضغوط الرأي العام الدولي الذي نجحت الرباط في تعبئته، في تحركات مدروسة وناجحة تمثلت في عقد تجمعات احتجاجية أمام سفارات الجزائر في 15 دولة رأت فيها "تحريضاً على الكراهية ضد الجزائريين". كما قام المغرب بتعبئة منظمات حقوق الانسان الدولية تحت عنوان "التواطؤ" الجزائري مع البوليساريو.
لكن هذا كله لا يفسر أيضاً النجاح الأميركي في العملية، والأهم أن تحولاً في الموقف الأميركي من النزاع حول الصحراء الغربية قد جرى رغم التطور العميق والضخم في علاقات واشنطن مع الجزائر. فقد تطور هذا الموقف الى درجة الالتحام بالموقف الفرنسي المتفق أصلاً في الفترة الأخيرة مع اسبانيا على وجوب حل النزاع مباشرة عبر حوار مغربي ـ جزائري. فقد أبلغ ريتشارد لوغر الملك محمد السادس أن واشنطن تأمل "بأن يفتح إطلاق سراح الأسرى المغاربة الباب أمام مفاوضات بين الرباط والجزائر في إطار الأمم المتحدة. وبذلك فإن الجزائر رأت إزاء هذا التحوّل الذي لم يتطور الى مبادرة دولية مربكة، وجوب القيام بحركة سياسية تطوق أي تطور من هذا المعيار، وأفضل هجوم في معرض الدفاع نزع القنابل الموقوتة الأقرب الى خط النزاع.
ولا شك أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي استدعى هيئة الناخبين للاستفتاء على مشروعه حول المصالحة الوطنية في نهاية الشهر المقبل، يرى أنه حان الوقت، لأن "جمهوريته" اليافعة قد قوي عودها. والقوة هنا أساسها وأهميتها في الاستقواء على "المؤسسة العسكرية" الجزائرية التي كانت تدير اللعبة من خلف الستارة. وكانت تجد في النزاع الصحراوي "سلاحاً" فاعلاً ومؤثراً لإسقاط أي محاولة لمساءلتها مدنياً، تحت دعوى الوحدة الوطنية. ومن ثم لملء جيوب بعض رؤوس هذه المؤسسة والذي قاد مع الوقت الى إفساد وفساد الدولة مما أغرقها في ديون تزيد عن 27 مليار دولار.
كذلك فإن العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي نجح في إخراج المغرب من أسر الماضي وإدخال الشفافية الى إدارة المملكة، شعر أن باستطاعته الذهاب بعيداً مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لوقف هذا "الرقص الدامي" على الرمال الساخنة في الصحراء الغربية، يساعده في ذلك وقف التنافس الفرنسي ـ الأميركي، والتوافق على مبدأ أن المفاوضات المباشرة مع الجزائر تفتح باب الحل حول الصحراء، ومع البوليساريو، ودائماً بين محمد السادس وبوتفليقة، وهما زعيمان قويان وقادران على فرض موقفهما.
العودة الى إحياء الاتحاد المغاربي مطلب أوروبي ملح، بحكم المصالح. الاتحاد الأوروبي يرى أن اتفاقات ثنائية مع دول المغرب العربي الخمس لم تعد مفيدة، ولأنه لم يعد لديه مصلحة في التنافس والتزاحم، فمن الضروري أن يكون الحوار والاتفاقات بين كتلتين هما الاتحاد الأوروبي والاتحاد المغاربي، وهذا الموقف الأوروبي يشكل جزءاً مهماً من قوة الدفع باتجاه إعادة إحياء الاتحاد.
ما حصل ويحصل خطوة على طريق الألف ميل، ومن الواقعي القول ان رياح التغيير تهب على المغرب العربي الكبير، ومن الطبيعي في إطار هذا المسار المتنامي، أن يكون الحوار الجزائري المغربي عودة لإحياء الاتحاد المغاربي!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00