8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

شيراك يضع "خارطة طريق" للديبلوماسية الفرنسية ولبنان في قلبها

ليس خطاب الرئيس الفرنسي جاك شيراك أمام الجسم الديبلوماسي الفرنسي، مجرد خطاب مناسبات، تنتهي مفاعيله مع انتهاء مناسبته، وانما اطار تفصيلي للسياسة الخارجية الفرنسية للعام 2006. وعلى أساسه يعمل وزير الخارجية فيليب دوست ـ بلازي. ولذلك فان هذا الخطاب هو مستند غني بطروحاته وبالاشارات الخضراء والحمراء امام مسار الديبلوماسية الفرنسية، ومؤشر دقيق لتوجهاتها ومبادراتها من القضايا الدولية المشتعلة أو المطروحة بالحاح، خاصة ما يعنينا مباشرة في منطقة الشرق الأوسط.
ومن المهم جداً، ان الرئيس الفرنسي، وهو يستعرض مواقفه من مختلف القضايا الدولية المطروحة، يقرأها بصوت عال، على ضوء تطور العلاقات الفرنسية، الأميركية المهم والعميق الذي بدأ مع قمة النورماندي في حزيران، يونيو 2004 والذي أوجَدَ في شكله ومضمونه المصالحة الحقيقية الشخصية والعامة بين الرئيسين جورج بوش وجاك شيراك والذي كان من ثمراته الأولى القرار 1559. ولكن وهو يفعل ذلك، يتجنب شيراك أن يضع مواقفه المتعارضة مع بوش في دائرة المزاحمة أو التنافس كما في الماضي!
ولعل الاشارة الكبيرة الأولى لمراعاة هذه المصالحة المزدوجة مع الرئيس الأميركي بوش ورئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، وضعه "العمليات" في اسرائيل في سلة واحدة مع "العمليات الارهابية في لندن وتركيا وشرم الشيخ". أي أنه يضع العمليات الانتحارية لحماس والجهاد وكتائب الأقصى مع عمليات "القاعدة" وما يعني ذلك من اقحام لها في الحرب العالمية على الارهاب.
بعد هذه "الهدية" يستعيد موقف شيراك توازنه وعقلانيته، فيذهب بعيداً في رؤيته المخالفة لمواقف بوش والمحافظين المتشددين، فيضع الشرق الأوسط، بكل نزاعاته في قلب عدم الاستقرار الكوني". ومعنى هذا التقديم واضح، أعطونا حلاً عادلاً لهذه النزاعات تأخذون عالماً مستقراً واضحاً!
ومن الطبيعي أن تكون في "قلب" نزاعات الشرق الأوسط فلسطين. ويبدو واضحاً أن شيراك وهو يبدي ترحيبه الشديد "بالقرار الشجاع" لشارون بالانسحاب من غزة، فانه يشدد كما كان دائماً على أن هذا الانسحاب يجب أن يشكل خطوة أولى لتنفيذ خارطة الطريق، وأن تكون نهاية هذا المسار قيام دولتين ديموقراطيتين تعيشان جنباً الى جنب بأمن وسلام!
ويبدو شيراك حذراً جداً بحديثه عن العراق، لأنه يعرف ان "الجرح العراقي" أخذ يؤلم جورج بوش، وأن الكلام عنه من نوع ذر الملح على الجرح. ولذلك يكتفي باشارة سريعة لكن غنية، يؤكد فيها ضرورة مساعدة العراق للحفاظ على وحدته، وبناء مستقبل له يكون لكل طرف فيه موقعه وأن تساهم الدول الاقليمية المجاورة في ذلك".
لكن الكلام الواسع والشفاف والقوي يبقى عن لبنان وربطا سوريا. فالرئيس الفرنسي الذي لا يعنيه من الوضع اللبناني سوى مستقبل لبنان ولا يربطه بأي ملف آخر سوى دور سوريا في المساهمة في ذلك لبناء علاقات جديدة تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الأخيرة، فان شيراك يصر على ضرورة التطبيق الكامل للقرارات 1559 و1595 و1614 وفي الوقت نفسه يترك الباب مفتوحاً أمام اللبنانيين لآلية هذا التطبيق لأنه يؤشر الى أنه ما زال يتعين القيام بالكثير من أجل ذلك". ومن الملاحظ في المجال اللبناني ـ السوري، أن التسريبات التي حصلت عشية القاء شيراك للخطاب حول نيته للقول بأن فرنسا لا تريد اسقاط النظام السوري وانما اصلاحه، قد تم استبعادها من نص الخطاب. وربما يعود ذلك الى أن شيراك المتابع للتطورات في لبنان وكأنها مسألة فرنسية داخلية اراد ألا يفهم كلامه في دمشق وكأنه "رسالة" للحوار بدلاً من أن يكون من نوع النداء الأخير قبل إقفال أبواب القطار وخروجه من محطة الانتظار!
ويستدل من كلام شيراك عن ايران احراجاً واضحاً ذلك أن عدم التوصل الى اتفاق بين الترويكا الأوروبية وطهران حول تخصيب اليورانيوم، يفتح الباب واسعاً نحو اقتحام أميركي لهذا الملف بكل تعقيدات العلاقات الأميركية ـ الايرانية. ويبدو أن تحذير شيراك لإيران رغم تقديره لأهميتها وحاجاتها بتحويلها الى مجلس الأمن من مظاهر هذا الاحراج الصعب لأن شيراك يعرف جيداً أنه لا يمكنه الموافقة على حصار اقتصادي لم ينتج في السابق سوى الاضرار بالقضية الاساسية كما حصل مع العراق وليبيا، وبسبب صعوبة تطبيق ذلك في ظل التصاعد غير المضبوط لسعر برميل النفط.
وعندما يصل كلام شيراك الى الاصلاح ودمقرطة الشرق الأوسط، يتجسد الخلاف الفرنسي ـ الأميركي بوضوح. فالرئيس الفرنسي يعتبر أن المقدمة الأولى للاصلاحات "مشاركة المجتمع الدولي لحل عادل للنزاعات". ومن ثم يضع ثلاث قواعد في معرض رفض "للدمقرطة المستوردة"، الأولى أن تأتي من الداخل والثانية ان تحترم خصوصية هوية هذه المجتمعات، والثالثة ان تتم بسلام لا يقحم هذه المجتمعات في الفوضى!
يبقى في كلام الرئيس الفرنسي عن منطقتنا ما يؤكد عمق التوجه الفرنسي ـ الأوروبي، نحو دفع المغرب العربي الكبير نحو تشكل "أكثر وحدة وتضامناً عبر سياسة تقوية الروابط الثنائية بين دول المنطقة. ولعله يأتي اليوم الذي ترى فيه فرنسا ومعها أوروبا أن وحدة وتضامن المشرق العربي "ضرورة" لها كما ترى في المغرب العربي الكبير.
والسؤال الأخير المطروح على فرنسا ومعها أوروبا، ماذا سيكون موقفهما من ترشيح مصر عن افريقيا والعالم العربي للعضوية الدائمة في مجلس الأمن عندما يقر مشروع التعديل الذي يطرحه شيراك ويؤكد أنه سيعمل عليه والذي يتضمن توسيع مجلس الأمن بحيث ينضم الى عضويته الدائمة المانيا واليابان والبرازيل والهند ودولة افريقية؟!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00