نتائج الانتخابات الألمانية، ليست ألمانية فقط، فهي أيضاً أوروبية. وألمانيا التي ستبقى مشلولة حتى تعثر الأحزاب على حل يخرجها من الطريق المسدود، تضع أوروبا على الطريق نفسه وربما لفترة أطول.
رشق الناخب الألماني بالحجارة، لأنه لم يمنح حزباً من الحزبين الكبيرين أغلبية تؤهله لتسمية زعيمه أو زعيمته للمستشارية، لا يحل المشكلة. فالناخب الألماني يعاني أزمة حقيقية، لم يجد ما يعبر عنها أفضل من فرض المناصفة بين الحزبين الكبيرين، وهذا الناخب ممزق منذ سنوات أمام اختلاط الألوان بين اليمين واليسار ولذلك لم يعد الانتماء الى هذا اللون أو ذاك حاداً وحاسماً. فالألماني مثله مثل الفرنسي، يجد أحياناً في المرشح اليميني ملاذاً له على الرغم من انتمائه الى اليسار والعكس صحيح. والألماني نفسه هو أيضاً وفي تأكيد لهذا الامتزاج بين الانتماءين الألماني والأوروبي، يعاني مثل الفرنسي أزمة متشابهة، لها حلول متشابهة. والألماني مثل الفرنسي يدرك في أعماقه أن اقتصاد بلاده "مريض" وبحاجة للتحديث، خصوصاً في ظل نمو متدن لا يزيد عن 2 في المئة في وقت تبلغ نسبة النمو لدى شركائه وجيرانه وحلفائه الآسيويين نحو 4 في المئة هذا من دون الحديث عن الصين التي يزيد نموها عن 9%. كما أن مشكلة البطالة واحدة وهي تكاد تسبب شرخاً اجتماعياً عميقاً يهدد بزلازل مستقبلية فضلاً عن آثاره الاقتصادية السلبية (نسبة البطالة في ألمانيا 10% وفي فرنسا 11%). وكذلك ارتفاع ملحوظ لمعدل الشيخوخة التي تنعكس سلباً على مستقبل العمل والنمو. والأخطر من كل ذلك أن الألماني الذي يدرك مثل الفرنسي ذلك ويريد تحديث نظامه الاقتصادي صيانة منه للمستقبل، يخاف من دفع الثمن المرتفع، وهو يتطلب أساساً التخلي عن نسبة مرتفعة ومؤثرة من نظام ضماناته الاجتماعية العالية.
ويبدو جلياً من نتائج الانتخابات، أن تحديث النظام لا يقف فقط عند الاقتصاد، فهو يتجاوزه ليطال النظام الانتخابي نفسه. فقد أكدت هذه النتائج أن النظام النسبي لا ينتج في أحيان كثيرة أغلبية تستطيع أن تحكم وتقود وتغير، وأنها في أحيان كثيرة، وهذا ما حصل الآن، ينتج قوى متساوية في أحجامها تضع البلاد في زاوية الجمود، ولذلك فإن النظام الانتخابي كله بحاجة الى إعادة صياغة في اتجاه يجعل نظام الأغلبية هو الحل، حتى ولو أدى الى ظلم الأحزاب الصغيرة وقطع الطريق على تمثيلها في البرلمان.
هذا التشابه الفرنسي ـ الالماني في الأسباب والمشاكل والحلول لا يلغي خصوصية المانية طارئة. وهي أنه بعد ستة عشر عاماً على سقوط جدار برلين، ووحدة المانيا، لم ينجح الالمان في تحقيق التناغم بين المجتمعين والاقتصادين الالماني الشرقي والألماني الغربي. وتبدو كل المليارات التي أنفقتها المانيا "الغربية" لإصعاد اشقائهم "الشرقيين" في "قطار الماني" واحد، قد فشلت الى حد كبير ولهذا يبدو هذا الحنين في المقاطعات الالمانية الشرقية سابقاً الى الزمن الشيوعي طبيعياً ومفهوماً.
ولا تقف حدود الأزمة عند هذه الأسباب الداخلية، وانما تتجاوزها الى الخارج. فألمانيا تعاني مثل فرنسا أزمة مع الحليف الكبير الولايات المتحدة الأميركية. فالالمان والفرنسيون الراغبون في علاقات دافئة مع الأميركيين يتساوون تقريباً مع اشقائهم الذين لا يجدون في الرئيس جورج بوش سوى "مطرقة" لكل ما يريدونه أو يحلمون به من عالم آخر أساسه التعددية والمشاركة في القرارات الدولية!
وسواء طالت أو قصرت فترة المفاوضات للعثور على حل الماني لمشكلة المستشارية، فان الاتحاد الأوروبي سيعاني لوقت طويل "الحالة الالمانية". خاصة وانها تأتي مباشرة بعد اللا الفرنسية المدوية للدستور الأوروبي. "فالقطار" الأوروبي يتحرك بسرعة الدينامو الالماني ـ الفرنسي. وطالما أن هذا "الدينامو" بيدو غارقاً في مشاكله الداخلية فانه لا يستطيع دفع "القطار" الأوروبي، وكل ذلك في وقت ادرك فيه الاتحاد القديم المشكل من خمسة عشر دولة، أنه استعجل كثيراً فتح أبوابه أمام الدول الأوروبية العشر. وانه كان من الأفضل الاستمرار في بناء اتحاد صغير متكامل أقوى، من أن يتم تضخيم هذا الاتحاد ليصبح عملاقاً جغرافياً يحمل على أكتافه مزيداً من المشاكل التي تثقل حركته الى درجة الشلل. هذا الشلل الذي لا بد من أن يكون "فيروسه" معدياً في زمن العولمة والطموحات المتداخلة!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.