ألمانيا سبقت فرنسا، ودفعت انجيلا ميركل إلى المستشارية. وسواء نجحت المفاوضات أو فشلت مع شرودر، فإن زلزالاً قد وقع وعصراً جديداً بدأ في ألمانيا التي عادة لا يعلو صوت فيها فوق صوت الرجال.
في فرنسا "أم الأفكار" والأحداث، زلزال من نوع جديد. ففرنسا عرفت دائماً نساء عظيمات لعبنَ أدواراً مهمة في جميع المجالات والقطاعات، بما فيها السياسية، وسيمون فيال ما زالت تعيش ذكرى قيامها بدور طليعي في الدولة الفرنسية، وإديث كريسون ما زالت تتذكر كيف دفع بها الرئيس الراحل فرنسوا ميتران إلى الواجهة وسمّاها رئيسة للوزراء، وحسب النص الفرنسي "الوزير الأول" وهي لم تتحضر بعد لهذا الدور، فكان ما كان، حتى اذا صعد جاك شيراك إلى الرئاسة أطلق الوزارة الأولى التي شكلت النساء الوزيرات جزءاً أساسياً منها وكن يؤكدن حضورهن أسبوعياً في "صبيحة" خاصة يتداولن فيها شؤون الدولة وشجونها، لكن التجربة لم تطل، وعاد كل شيء إلى سياقه السابق، خاصة بعد ان اضطر الحزب الاشتراكي و"قبله" الحزب الشيوعي إلى تقنين الكوتا النسائية في الانتخابات التشريعية لئلا يكون الحضور النسائي في البرلمان رمزياً، فالفرنسيون رغم كل أفكارهم التي يمكن القول فيها إنها ثورية أحياناً، ما زالوا يفضّلون الرجال ممثلين عنهم في البرلمان وبالتالي إدارة الحياة السياسية والاقتصادية.
لكن لا شيء يبقى على حاله إلا المحال، فرنسا ومعها الفرنسيون لا يمكن ان يبقوا على موقفهم الضيق من الحضور النسائي في حياتهم السياسية وعلى أعلى المستويات، خاصة أن التحولات كبيرة والزلازل في دول الجوار مثل ألمانيا لم تعد محدودة بالجغرافيا الضيقة لهذه الدولة أو تلك، في ظل الاتحاد الأوروبي الذي لم يعجب "الحصان" الفرنسي ـ الألماني عدم توسيعه بسرعة حتى ولو كان الثمن المزيد من المشاكل والخلافات حتى مواجهة دخول تركيا إليه، وبدورها تعيش فرنسا هذه الأيام "زلزالاً" نسائياً أين منه "زلزال" ميركل.
فجأة وبدون مقدمات إعلامية، حصل "انهيار" على طريقة "كرة الثلج"، فقد أعلنت سيغولين رويال الاشتراكية احتمال أن تكون مرشحة للرئاسة الفرنسية عام 2007. وإذا كان الحزب الاشتراكي يعيش منذ عقد من الزمن على وقع وجود مرشحة محتملة في فترة ما للرئاسة هي مارتين أوبري الوزيرة التي فرضت خفض ساعات العمل الأسبوعية إلى 35 ساعة، وقبل ذلك ابنة جاك دولور الرجل الذي رفض الرئاسة التي قدمت إليه على صينية من ذهب، فإن رويال الوزيرة الاشتراكية عدة مرات لم يعرف عنها هذا الطموح الرئاسي خاصة أن شريكها ووالد أطفالها الأربعة فرنسوا هولند الأمين العام للحزب الاشتراكي هو المرشح للتنافس مع "فيلة" الحزب مثل جاك لانغ ودومينيك ستروس كان وفرنسوا فابيوس على تبنّي الحزب له في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
المهم ان هذا الموقف النسائي الاشتراكي قابله فوراً موقف نسائي من اليمين الديموقراطي إذ سارعت ميشال إليو ماري وزيرة الدفاع الحالية إلى اعلان انها مستعدة بدورها للعب دور طليعي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وقد فهم الجميع انها تطمح لأن تكون مرشحة الأغلبية الرئاسية المقبلة، هذا مع فارق عن سيغولين رويال وهو انها لم تخف طموحها، فهي كانت تستعد لتولي رئاسة الوزارة لولا حسم الرئيس جاك شيراك قراره بأن يتولى دومينيك دو فيلبان هذا الموقع!.
والسؤال الذي يثيره هذا الوضع، هل الحياة السياسية الفرنسية تعيش انقلاباً غير متوقع بسبب خلو الساحة من المرشحين الرجال؟، أم ان الأمر يتعلق بالفقر في نوعية المرشحين؟.
الواقع ان مرض الرئيس جاك شيراك المفاجئ يعجل بقوة في طرح الخلافة، ولذلك ارتفعت حرارة المنافسة وأخذ كل الطامحين بالكشف عن طموحاتهم. طبعاً جاك شيراك لا ينوي كما يبدو التسليم بسهولة بأنه مريض وأن احتمال التجديد له أصبح مستحيلاً، لذلك سرب مساعدوه وأنصاره أنه عاد يعمل كما في السابق مثل "الجرافة" وأنه عاد يرهق مساعديه بمواعيده وطلباته، وأن الأمر الوحيد الذي تغيّر هو إلغاء رحلاته مؤقتاً إلى الخارج.
وسواء عاد شيراك إلى سابق عهده أم اكتفى بتمرير هذه الفترة وتحضير الساحة لخليفته "الطبيعي" دومينيك دو فيلبان، فإن أمراً مؤكداً ادى إلى تقدم رويال وإليو ماري إلى الصف الأول للمنافسة على الترشح للرئاسة داخل كل معسكر من المعسكرين، وهو ان اليسار الفرنسي وفي مقدمته الحزب الاشتراكي لم يتعاف من هزيمة ليونيل جوسبان وتقاعده المبكر، وأنه يفتقد المرشح القادر على إقناع الحزب به قبل الفرنسيين ولذلك قال ان فرنسوا هولند يعمل ما بوسعه لعرقلة حصول أي من "الفيلة" على الإجماع، وأنه بدا سعيداً بأن تتقدم رفيقته رويال المرشحين التاريخيين بمجرد اعلانها ترشيح نفسها، فهي حصلت على 23 في المئة من الأصوات مقابل 22 في المئة لستراوس كان و17 في المئة لفابيوس، ووحده جاك لانغ الذي يريد تغيير الجمهورية الخامسة تقدمها بنقطة واحدة، فهي بذلك تفتح الباب أمامه بعد ان يكون قد نضج وأمسك بالحزب الاشتراكي بقوة عام 2012، موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد استحقاق العام 2007.
أما اليمين الديموقراطي فإنه يعيش على وقع "المستعجل" الدائم والكبير نيقولا ساركوزي الذي بسبب "سرعته" يرتكب الخطأ تلو الخطأ كما حصل معه اخيرا في مقابلته الصحافية التي أعلن فيها القبض على مجموعة إسلامية، علماً ان المقابلة مسجلة قبل ثلاثة أيام من الحادث. وبدوره فإن دو فيلبان يبدو وكأنه غير مستعجل لأنه غارق في تحدي نجاحه كرئيس للوزراء.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.