الدستور ضروري للعراق، وإقراره شعبياً أكثر من ضرورة. لكن مثلما أن هذا الدستور ناقص، فإن إقراره جاء ناقصاً.
والمسألة ليست في نسبة المقترعين ولا في نسبة الموافقين، فالدستور العراقي، ليس كمثل باقي دساتير الدول، حيث الأكثرية تمنحه الشرعية الكاملة.
في العراق، مرة اخرى يجد الجميع أنفسهم أمام معضلة فشل معادلة الأكثرية. المطلوب أكثرية متوازنة موزعة على جميع أطياف الشعب العراقي المذهبية والعرقية والقومية. وهذا لم يتوافر، وهو كان معلوماً سلفاً، لكون الدستور العراقي صاغته توازنات متداخلة المصالح، نسي بعضها مصالح أطراف اخرى بذريعة دعاوى شتى. والدليل على الوعي الكامل لهذا النقص، ترك المجال مفتوحاً أمام تعديلات مطلوبة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة وقبل إجراء الانتخابات التشريعية التي ستكون لأول مرة نتاجاً لدستور طال انتظاره من العراقيين، إذ ليس أعظم وأضمن من أن يحكم بلد أي بلد في العالم بناء لدستور واضح بدلاً من أن يدار ويقاد من حاكم مطلق أو حزب حاكم أيا كانت هويته وقوته!
والتعديلات اللاحقة واجبة، لإدخال السنة العراقيين وانخراطهم من جديد في عملية بناء العراق. ولعل حصول خط تصدع لأول مرة داخل السنة حول عملية قبول أو رفض الدستور يشكل مدخلاً للعمل عليه ليس لإحداث مزيد من الفُرقة بين هذه الشريحة الأساسية في تشكيل العراق وانما لجذبهم أكثرَ فأكثرَ نحو هذا المسار الدستوري.
ذلك أن استمرار هذا الرفض السني لأن شعوراً عميقاً (مدعوماً بمواقف حالية تصيغ المستقبل) بتهميشهم وافقارهم، يعني أن العراق سيبقى غارقاً في التشتت والتفرقة وعلى طريق حرب أهلية اين منها اللبننة، يعمل الكثير لتأجيجها ونشر نارها على مساحة العراق وصولاً إلى مدها إلى المنطقة التي العراق منها بمثابة القلب. ولا شك ان نجاح عملية جذب السنة وانخراطهم في المسار الدستوري ثم في الانتخابات التشريعية المقبلة، يؤدي حكماً إلى تعميق خط تصدع مطلوب أكثر من أي وقت مضى تعميقه بين السنة العراقيين و"الإرهاب الزرقاوي"، الذي لا يريد سوى الدمار للعراق.
"مسار الوفاق العراقي"، القائم حالياً وان كان ناقصاً وغير شامل، يجري في وقت استفاقت العرب، أو بالأحرى الجامعة العربية. ذلك أن ابتعاد العرب عن العراق فترة طويلة عقب الغزو الأميركي لحجج مختلفة، ترك الساحة العراقية مفتوحة أمام مسار التشدد والتطرف من جميع أطياف العراق وايضاً أمام إيران التي سارعت عبر سياسة مدروسة ترتكز على وجود أطراف وعناصر اما تدين لها بقوتها واما وجدت في الارتباط بها مساهمة لتدعيم نفوذها، في تثبيت وجودها ونفوذها ليس في المربع الشيعي فقط بل على مساحة العراق ولو بنسب متفاوتة!
وزيارة عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى العراق هي التجسيد الواضح لهذه اليقظة العربية، رغم انه سبق لمسؤولين في الجامعة ان اهتموا أو زاروا العراق. الهدف الآن هو "مبادرة تحمل اسم جميع الدول العربية" وترجمة هذه المبادرة، ودوماً استنادا إلى القاموس الذي انتجته "اللبننة"، عقد "طائف" عراقي، يجمع العراقيين ويوحدهم من أجل عودة العراق إلى مسار السلم الأهلي. ودوماً من هذا "القاموس" الذي ما زال كما يبدو مفتوحاً على حالات وتعريفات جديدة، سؤال بشع لكنه واقعي، وهو: هل يجب أن ينهك العراقيون حتى يقبلوا عقد مؤتمر "طائف عراقي". والانهاك هنا هو يا للأسف الشديد ـ وقوع مزيد من الاقتتال والحروب الصغيرة، والضحايا الكبيرة لكي يقبل العراقيون الجلوس إلى طاولة واحدة؟! الرفض المتسرع لأطراف عراقية ومنها مسؤولون في الحكومة الحالية يؤشر إلى إمكانية حصول ذلك. فالطائف اللبناني لم يعقد ولم ينتج ما انتجه إلا بعد اقتناع معظم الأطراف الممثلة لأكثرية الأطياف اللبنانية، بأن الحل هو في اتفاق يعطي للبعض، دون ان يحرم البعض الآخر، ويأخذ من طرف ما يكفي لتحقيق توازن معقول، ومَن رفض هذا الحل، وضع نفسه خارج مسار إعادة بناء البلد لسنوات طويلة. وقياساً إلى ذلك فإن على الشيعة استعادة حقوق لهم حرموا منها لعقود ثمانية دون أن يحرجوا السنة فيخرجوهم، وأخذ الأكراد ما يستحقونه في عراق متوازن دون أن يقعوا في فخ ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم!
الولايات المتحدة الأميركية، سارعت إلى تشجيع المبادرة العربية، لان هذه المبادرة متى تجسدت وأصبحت واقعاً، تفتح الطريق أمامها للعثور على حل تخرج بموجبه عسكرياً من العراق، بأقل خسائر سياسية، تنعكس سلباً عليها قبل أن تشكل جحيماً للإدارة الأميركية الحالية برئاسة جورج بوش ومعه المحافظون المتشددون.
ولذا ستدعم واشنطن هذه المبادرة العربية ما دامت ستعمل لإنتاج حل للعراق بدايته "أن الاستفتاء على الدستور العراقي كما قال عمرو موسى "خطوة على الطريق الصحيح". بكلام آخر إن رفض هذا الطريق سياسياً أم عسكرياً هو خطأ!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.