8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

باريس: حشر دمشق في الزاوية

ترى مصادر فرنسية في باريس "أن الفرصة ما زالت سانحة أمام دمشق للخروج من عنق الزجاجة". لكن هذه "الفرصة" كما تؤكد المصادر نفسها هي "تحت الرقابة المشدّدة، ودقة أكثر في المتابعة وعلى قاعدة دفتر شروط واضح حتى في التفاصيل الصغيرة التي يجب تنفيذها".
ولا تخفي المصادر "ان هذا الوضع هو نتاج سياسة تعتمد تضييق الخناق وحشر دمشق في الزاوية لقطع طريق الهروب عليها والدليل هذا الإجماع الذي حصل في مجلس الأمن لدى الاقتراع على القرار 1636، فالإجماع بحد ذاته كان رسالة قاسية وشديدة اللهجة خاصة وأن كل ذلك وضع تحت بند الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".
ونظراً إلى اعتبار المصادر نفسها أن "هامش المناورة ضيق أمام السوريين" لكون دمشق لم تأخذ بجدية تبعات القرار 1595، فإن المطلوب من دمشق وكما أبلغتها عواصم عربية عديدة بينها القاهرة التي تربطها علاقات متينة بباريس، والتي تشهد تواصلاً في الاتصالات والمشاورات بين الرئيسين جاك شيراك وحسني مبارك، "هو تقديم شيء في الأساس وليس في الشكل". وعندما يكون الأمر في "الأساس" فإن ترجمة ذلك "التجاوب مع مطالب ميليس والتحقيقات التي أجراها والتي يريد اجراؤها ومتابعة تفاصيلها". وتشير المصادر نفسها "إلى أن ذلك يساهم عملياً في اخراج دمشق من المأزِق لانه حتى الآن تبقى المسؤولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري مسؤولية أشخاص وليس نظاماً، أي انه يمكن التوقف في متابعة المسؤولية عند خط معين وابقاؤها تحت سقف لا يطاول النظام ككل".
لكن هذا "الحل"، لا يعني اطلاقاً إبدال "رؤوس برؤوس في الأجهزة" وانما يعني حسب المصادر نفسها "أن الأجهزة الأمنية عليها أن لا تلعب الدور الذي لعبته طوال العقود الماضية" وهذا المطلب من صلب العملية الإصلاحية للنظام في دمشق والتي تشكل بنداً مهماً في "دفتر الشروط" خاصة وانه مطلب قديم كانت باريس تأمل وأرادت وسعت لتحقيقه منذ اليوم الأول لتسلم الرئيس بشار الأسد السلطة خلفاً لوالده الراحل الرئيس حافظ الأسد".
وتشدّد المصادر في باريس على انه لم يعد أمام المسؤولين في دمشق وقت يمكن لهم أن يراهنوا عليه، فالفترة المتبقية أمامهم قصيرة، ولذلك لن يسمح لسوريا في إطار هذا الوضع المتشدّد بالضغط أي إشعال الحرائق أو حتى تغذيتها في ملعبها الخلفي. وضمن المتابعة "الميكروسكوبية" فإن دمشق مسؤولة مباشرة عن أي خطوة تصعيدية تقوم بها الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة التي يتزعمها أحمد جبريل في لبنان، بل حتى لا يحق لسوريا التسبب بفوضى فلسطينية وانما العمل لدعم مسار السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة محمود عباس أو على الأقل عدم خربطة جهوده الرامية إلى تثبيت أقدام السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة والضفة".
ولتحقيق كل ذلك فإن باريس، على ما تقول المصادر نفسها، تعتمد سياسة "التقدم ببطء على الصعيد الدولي وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية التي اقتنعت بهذا التكتيك، لتكون كل خطوة وكل قرار دولي بالإجماع".
فهذا الإجماع "في رأي باريس" يحصن تنفيذ القرارات ويبعدها من شبهة السياسة الأحادية الانتقامية أو الهادفة إلى تصفية الحسابات في ملفات على حساب ملفات اخرى مثل الملف اللبناني".
وأمام هذا التوافق الفرنسي، الأميركي الذي انتج القرار 1559 تشدّد المصادر الفرنسية على أن الافتراق بين الموقفين الفرنسي والأميركي موجود رغم هذا التوافق القائم والذي جاء نتيجة إدراك الإدارة الأميركية أهمية الإجماع الدولي بعد فشل التجربة العراقية.
ونقطة الفصل في الافتراق التي لن تؤدي إلى التنافس أو الطلاق بين باريس وواشنطن كون كل عاصمة في حاجة الى الاخرى، هي بقاء النظام السوري. ذلك أن باريس تحمل همّ استمرار الاستقرار في سوريا لان لبنان يعنيها دون غيره من الملفات التي تحمل همها واشنطن، وعدم الاستقرار في دمشق لا بد ان تنتقل عدواه إلى لبنان، ولذلك ما زالت باريس تتحدث عن ضرورة التغيير داخل النظام السوري وليس تغيير النظام، خاصة إذا التزم ونفذ دفتر الشروط المطلوب منه التقيد به".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00