8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"خارطة طريق" شيراك

الاضطرابات وأعمال الشغب، لن تتوقف في فرنسا هذه الليلة أو غداً. فالبراكين لا تخمد قبل أن تقذف حممها، حتى ولو وصلت "رسالتها" ناراً حارقة. والرئيس جاك شيراك الذي تكلم بعد صمت علني طويل اختار رسم "خارطة طريق" واضحة وشاملة تعدد أسباب ما حصل وفي الوقت نفسه تقدم خطة تنفيذية لرأب الشرخ الحاصل في المجتمع الفرنسي القديم أصلاً، والذي تعمق أكثر فأكثر مع كل سيارة أحرقت ومدرسة دمرت وملعب رياضي جرى تخريبه. وهذه العملية المطلوبة لمستقبل فرنسا كلها وليس فقط لشريحة منها هي للحؤول دون تحول الشرخ الى خط زلازل يضع الجمهورية بكل تقاليدها في عين الاعصار.
خطاب الرئيس الفرنسي، كان قصيراً وشاملاً وجامعاً. وعلى عادته، لكن بقوة أكثر هذه المرة، تكلم شيراك مثل والد كبير للعائلة الفرنسية يريد عودة "الابن الضال"، لأن بقاءه خارج هذه العائلة، وهو يعاني من أمراض عدة أطرها شيراك في "أزمة هدية"، ومن بين هذه "الأمراض" ما هو مشترك ومعدٍ مثل "العنصرية" و"التهميش" و"عدم تكافؤ الفرص"، والبطالة بكل ما تحمله من مرارة، سرعان ما سيتحول مع الزمن الى حقد جارف ضد المجتمع!
وكيفية التوفيق بين تحقيق الأولوية القصوى، وهي "عودة الأمن" والاستمرار في اخلاص فرنسا لمبادئ الجمهورية، هو مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة. فالجمهورية لا تطلق النار على أولادها. وقد نجحت المؤسسات الأمنية الفرنسية حتى الآن في الوفاء لهذا المبدأ برغم كل التحديات والاستفزازات التي تحصل ليلياً والتي من بين ضحاياها حتى أمس 8700 سيارة. لكن من الواضح أيضاً أن زمن اللين والحسنى والأخذ بالظروف المخففة قد انتهى أو على الأقل قد سقط الى حين. فالسلطات القضائية أصبحت قاسية لكنها واقعية أيضاً. والأحكام القضائية أصبحت تنفيذية بدل أن تكون مؤجلة وعائلات المدانين ستلحقها هذه المرة ارتدادات من أفعال أبنائها، لأن المشكلة في عمقها تعود الى انعدام التربية المدنية داخل العائلة ومتابعة الإنغلاق في سلبيات التاريخ بدلاً من معايشة الحاضر والعمل لبناء المستقبل، ولذلك فإن العائلة التي يُحكم أحد أبنائها في عمليات الشغب ستفقد حقوقها في الضمانات الاجتماعية الكثيرة والمتعددة. تبقى مشكلة البطالة التي تضرب بعض شرائح الشباب في بعض الضواحي بنسبة تصل الى 57%، وهي ناتجة عن كل الأسباب السابقة ويبدو أن جاك شيراك أخذ هذه الحالة في إطار خريطة الطريق وقدم حلولاً قد تشكل دواء خصوصاً أنها اجتماعية واقتصادية!
"خريطة الطريق" جاهزة. المهم تنفيذها. وبقدر ما تنفذ الحكومة الفرنسية هذه الالتزامات التي وضع شيراك موعداً حساساً ودقيقاً لها هو نهاية ولايته الرئاسية، بقدر ما تبتعد "النار" عن فرنسا. وهذه "النار" ليست القادمة من الضواحي فقط، بل هي أيضاً "نار" اليمين المتطرف بزعامة جان ماري لوبن.
وهذه "النار" لا شك أنها أخطر بكثير لأنها ليست فقط ضد مجتمع الضواحي والمهاجرين حتى ولو كانوا من الجيل الثالث، بل هي أساساً ضد فرنسا لأنها ضد الجمهورية، وضد الديموقراطية. ومجرد مسارعة لوبن بالإعلان عن أن تمديد قانون الطوارئ يؤكد أن الحلول التي طرحها منذ عقود، والتي تزكم الرائحة العنصرية فيها الأنوف وتعمي الأبصار وتقتل القلوب، هي الناجحة!
كلما أدرك شباب الضواحي أنه لم تعد من فائدة لهذا العنف لأنه تحول منذ أيام طويلة الى عنف عبثي، خصوصاً بعد أن وصلت "رسالتهم"، كلما خففوا من حظوظ هذا اليمين المتطرف وحالوا دون دخول لوبن الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية بقوة التغيير واندفاعة يأس الفرنسيين من أوضاعهم، والخطر القادم مع هذا اليمين المتطرف أن قانوناً يعود الى أيام الجزائر وحربها، يمدد موقتاً، يتحول في ظل هذا اليمين الى قانون دائم. وترحيل المشاغبين المحدود يتحول الى رحلات جماعية الجميع فيها خاسر وبخاصة "الجمهورية"!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00