8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فرنسا "الاشتراكية": لا جديد

لم ينجح الحزب الاشتراكي الفرنسي بتقديم إجابات حقيقية تحمل رؤى جديدة لفرنسا المأزومة، لأن قيادة الحزب وجدت نفسها كما يحصل منذ ما قبل هزيمة ليونيل جوسبان مطالبة بالتوفيق بين اشياء يصعب التوفيق بينها، ولذلك شكل "سلام الشجعان" بين "قبلة" الحزب في مؤتمر "لومان"، النجاح الكبير والوحيد! ولا يشكل فوز فرنسوا هولند بالأمانة العامة للحزب سوى إنعكاساً ميدانياً لهذا الوضع. ذلك أن هولند يتابع التجديد لنفسه منذ اعام 1997، عندما ترك له جوسبان الموقع ليتفرغ للانتخابات الرئاسية. التطور الجديد وهو في الشكل وليس في الضمون فوزه بنسبة 80 في المئة من أصوات المقترعين. فما حصل أن "قبلة" الحزب فضلوا التراجع خطوة إلى الوراء على أمل التقدم في خريف العام 2006 خطوتان إلى الأمام.
كل "فيل" من هذه "الفيلة" أصبح عجوزاً داخل الحزب. والايجابية الكبيرة لفرنسوا هولند انه منذ خروج جوسبان من النشاط الحزبي، قد نجح في الخروج سالماً والاندفاع نحو الامانة العامة عبر ثقة القاعدة الحزبية بقوة. ذلك ان "الفيلة" لم ينجحوا وهم يتدافعون داخل مخزن الحزب من سحق هولند، رغم انه كان برأي هؤلاء فرادى ومجتمعين ليس سوى مرحلة موقتة أو مجرد جسر يعبرون عليه من المرحلة الميترانية وصولاً إلى مرحلة ما بعد ليونيل جوسبان، وكما يحدث في مختلف الاحزاب، تحول الموقت إلى دائم، والجسر إلى حالة يتم التأسيس عليها.
مشكلة "الفيلة" أن كل واحد منهم مشروع رئيس للجمهورية. وهم فرادى ومجتمعون لم يحملوا مشروعاً سياسياً لا تأسيسياً ولا مستقبلياً للحزب أولاً وأساساً لانه حصنهم وجسرهم إلى الفوز بالرئاسة، ولا لفرنسا المأزومة التي كانت حتى الأمس القريب نفتخر بأن لا تملك نفطاً لكنها تملك الأفكار. وهؤلاء "الفيلة" ابتداء من لوران فابيوس اصغر رئيس وزراء في تاريخ فرنسا وجاك لانغ وزير الثقافة الدائم طوال العهد الاشتراكي، ودومينيك ستراوس كان وزير المالية الاسبق والخارج من "بيت عنكبوت" الفضائح المالية بمعجزة ومارتين اوبري وزيرة العمل السابقة وصاحبة مشروع 35 ساعة عمل أسبوعية الصامتة منذ فشلها النيابي الأخير، والعضوة الجديدة في نادي "الفيلة" سيلوغان رويال الوزيرة السابقة وزوجة فرنسوا هولند تزاحموا لأخذ موقع لهم داخل الحزب، ليتقدموا به خطوة إلى منصة الترشيح إلى الرئاسة في خريف العام 2006. وعندما رأوا أن تطورات الحزب التي تجري على وقع فشل الموافقة على الدستور الأوروبي وعلى "نار" حرائق الضواحي على مساحة فرنسا كلها وليس باريس فضلوا الصمت، والانخراط في واقعية سياسية تحول دون انفجار الحزب إلى احزاب بدلاً من فرادة تنظيمية "الفيدرالي" إذا صح التعبير بين تياراته المتمتعة باستقلالية ذاتية عبر الاقتراع وحجم التمثيل في القيادة استناداً إلى الناس التي يحصل عليها!
وترك الرئاسة لهولند بدون مزاحمة ولا منافسة، لا يعني مطلقاً ان فابيوس قد فقد شهيته للرئاسة وزهده بالموقع داخل الحزب الذي سيشكل هولند فريق عمله يترجم فقط استراتيجيته في التفرغ للمنافسة الحزبية على الرئاسة فهو يؤمن أن "ليبرالياً" مثله من الاشتراكيين يستطيع ان ينافس مرشح اليمين الديموقراطي سواء كان دومينيك دوفيلبان أو نيكولا ساركوزي على الرئاسة لأن فرنسا قد خطت منذ سنوات وخاصة في الفترة الأخيرة خطوات اضافية ومهمة باتجاه اليمين المتشدد. أما فرنسوا هولند الذي يعرف أن جاك لانغ لن ينافسه رغم شعبيته لانه أساساً هو الوجه المثقف في الحزب الذي يطرح أفكاراً جديدة الذي لا يتمتع بحضور رئاسي. ويكفي انه بمجرد أن طرحت سيلوغان رويال نفسها مرشحة للحزب حتى تراجعت شعبيته الكبيرة داخل الحزب كمرشح للرئاسة إلى خلفها بنقاط عديدة.
اما دومينيك ستراوس فقد أدرك من مجريات أعمال الحزب انه خسر الحرب وليس معركة ومن الأفضل له أن يكون من الفاعلين المؤثرين داخل الحزب على الثعلب الذي يلقيه مستقبلاً!
بدورها فإن سيلوغان رويال تبدو وكأنها تشكل خط دفاعي أول عن فرنسوا هولند من خلال شعبيتها، وبحيث تبقى بديلا يفزع "الفيلة" العواجيز إذا ما نجحوا في سحق آمال زوجها!
أما يسار الحزب ممثلا أساساً بتشكيل "الحزب الاشتراكي الجديد" الذي شكله هنري ايمانويلي وزير المالية الأسبق وأحد "الفيلة" العواجيز الذي ازيح لفترة طويلة عن الواجهة بسبب فضيحة تمويل الحزب وسجنه بسببها وارنو نونيرغ وهو "ذئب" صاعد داخل الحزب مع فانسان بيبون فانه نجح في فرض بعض توجهاته "اليسارية" بعد رفض مطالب اليسار المتشدد داخل الحزب الذي يريد انجاز مراجعة صارمة للمؤسسات للحد من صلاحيات رئيس الجمهورية!
الواقعية السياسية التي التزمها الحزب الاشتراكي بقيادة فرنسوا هولندا الاكثر حظاً ليكون المرشح القادم بحزبه لرئاسة الجمهورية، ما دفعت نحو انخراط الحزب الاشتراكي الفرنسي اكثر فأكثر مع التيار الاشتراكي الديموقراطي الأوروبي. اما الحديث عن ديناميكية جديدة ولدت من داخل مؤتمر لومان فانها تبدو بعيدة، طالما ان هذا الحزب ما زال أسيراً لاستحقاق الانتخابات الرئاسية، بدلا من أن يكون حاملا لمناهج رؤية مستقبلية لفرنسا المأزومة نفقدها وتساعدها على مواجهة الاستحقاقات الضخمة التي عليها مواجهتها سواء مع الاتحاد الأوروبي أو للتملص من احادية القوة المهيمنة على العالم!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00