نجاح الاخوان المسلمين في مصر، بالحصول على خمس البرلمان، قد يعني أن عملية "تتريك" النظام المصري قد بدأت. و"التتريك" هنا يعني ان هذا النجاح المحدود للاخوان، هو خطوة أولى في مسار طويل قد ينتهي بتسلم السلطة مداورة مع الأغلبية الحالية أو ما يشابهها، وبالوسائل الديموقراطية، وذلك كما حصل مع "حزب العدالة والتنمية" بزعامة رجب طيب أردوغان في تركيا فهذا الحزب التركي الاسلامي النشأة وزعيمه لم يتسلما السلطة في قفزة واحدة ولا انتخابات وحيدة. فقد سبق نشاطات هذا الحزب ونضالاته خطوات مماثلة في ظروف أصعب وقيود أكثر شدة. ومن لايذكر أربكان الذي أسس لما تعيشه تركيا حالياً، ودفع باتجاه تغيير بنيوي وفكري داخل الحركة الاسلامية في تركيا، يأخذ بعين الاعتبار وضع تركيا وخصوصية علاقاتها الاطلسية والأميركية والحضور الوازن للمؤسسة العسكرية داخل النظام.
أمام الاخوان المسلمين في مصر تجرية تركيا الفريدة التي لا تخيف الغرب قبل الاتراك انفسهم، وهي تؤكد بالممارسة أن الاسلام السياسي في السلطة يمكن أن يكون ايجابياً متى كان معتدلاً قادراً على الوقوف في وجه التطرف المولود من الاهمال والتهميش والفساد والقمع!
الانتخابات التشريعية الأخيرة في مصر، حدث مهم جداً مهما كابرالبعض. وهي خطوة باتجاه التغيير البعيد عن التغيير الانقلابي، ولذلك فان حصوله مثل الولادات الصعبة التي تقع بعد مخاضات أصعب وموجعة جداً. ولقد ربح الاخوان معركة مهمة، عندما لم يقولوا انهم سيكتسحون صناديق الاقتراع، مهما كانت الانتخابات شفافة ونزيهة وسليمة. منذ البداية وضعوا سقفاً متواضعاً لطموحاتهم، لأنهم يلتزمون الواقعية السياسية وما حققوه مع الناخبين الذين تسلقوا على السلالم للاقتراع عبر النوافذ بعد أن سدت الأبواب في وجوههم وأحال "البلطجية" الشوارع الى سلسلة من الحروب الصغيرة، يجعل من وجودهم في البرلمان صوتاً مسموعاً ومميزاً ويحملهم مسؤولية كبيرة. وهم أمام هذه المسؤوليات مطالبين بالعمل لتقديم ضمانات يومية للمصريين الخائفين الرافضين والقلقين، بأنهم لن يحولوا مصر الى جمهورية اسلامية. وانهم قادرون على مثال "اخوانهم" في تركيا ممارسة اللعبة الديموقراطية بكل شروطها وتقاليدها وبما يحصن مصر في مواجهة التطرف!
هذه الديموقراطية الناقصة في مصر، ليست كلها شرا يحل رجمها ورفضها. والذين كانوا يتوقعون انتخابات يقرر الناخب المصري فيها ما يريده ينسى أو يتغافل أن النظام المصري الحالي الذي أقدم على هذه الخطوة الصغيرة هو النظام نفسه الذي ولد ونشأ وتموضع في ظلال نسبة 99.99 في المئة.
مدى استيعاب الأخوان المسلمين في مصر لواقعها حالياً و مستقبلاً هو الذي سيحدد ما اذا كان فوزهم المحدود حالياً هو لبنة صلبة يمكن التأسيس عليها. أما البقاء في أسر مقولات وممارسات العقود الماضية التي برزت بالوقوف في وجه جمال عبد الناصر في زمن كان يخوض فيها أشرس معاركه من جهة، وعدم الأخذ بعين الاعتبار متطلبات ومطالب الشعب المصري، تعني خسارتهم المسبقة التي يريدها الكثيرون خاصة أولئك الذين يريدون أن تبقى مصر بكل خصوصيتها وبعيداً عن "تتريك" نظامها!
يبقى أنه يحب عدم تناسي الولايات المتحدة الأميركية، التي تراقب عن قرب التجربة المصرية، وهي تبدو غير متحمسة لها ولكنها غير معادية لها في الوقت نفسه ولذلك تفضل أن تنضج بهدوء وعلى نار خفيفة فاذا فشل الاخوان المسلمون لا يكون بديل فشلهم التطرف واذا نجحوا يكون نجاحهم على المثال التركي المضبوط جيداً تحت "سقف" المؤسسة العسكرية الوطنية!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.