جديد هذه الانتخابات التشريعية في العراق، الانخراط السني ولو غير الشامل في المسار السياسي بعد مقاطعة شبه شاملة. هذه المشاركة ستعدل تركيبة البرلمان العراقي بحيث تجعل الوانه أكثر تمثيلاً لمختلف الأطياف السياسية والمذهبية والعرقية والقومية، وبالتالي لا بد أن ينعكس هذا التحول في صوغ المستقبل السياسي للعراق الذي يعيش مرحلة مخاضات صعبة.
مشاركة جزء كبير من السنة في الانتخابات، لا يعني انتهاء العمل المسلح في العراق، فالمقاومة ولدت من قلب المتحول الكبير الذي بدأ مع إسقاط نظام صدام حسين، وأسس لوضع جديد انتقلت بموجبه السلطة من يد السنة إلى الشيعة والاكراد، وهذا التحول لم يعد موقتاً بل أصبح دائماً. لكن الأساس فيه أن السنة وهم في أساس دولة العراق الحديثة لا يمكن عزلهم واخراجهم من التركيبة الجديدة للعراق. لان الأكثرية وان كانت تجمع بين المذهبين العرقي والقومي، إلا انها لن تنجح في بناء عراق موحد، خصوصاً ان الوفاق والتوافق هما العمود الفقري لأي نظام عراقي. وعدم توقف المقاومة المسلحة عقب فصلها الناجز عن الإرهاب الأسود والطائفي يعود إلى أن السنة في العراق تأكدوا وبعد عامين كاملين أن استعادة شرعية حقهم في السلطة ولو من باب المشاركة وليس الهيمنة تكون بهذا الحضور المسلح اليومي.
إلى الاقتناع البارز لدى السنة أن بندقيتهم هي طريقهم للعودة إلى السلطة، فإن المشاركة في الانتخابات تكمل هذا الاقتناع، فمن الواضح أن مسار حركة بناء النظام السياسي في العراق قد يتأخر لكنه لن يتوقف، ولذلك فإنه من الأفضل المشاركة فيه والابتعاد عن الانعزال ومما يعزز هذا الاقتناع أن هذا البرلمان هو الأهم في تاريخ العراق الحديث لانه منتخب مباشرة ولفترة أربع سنوات وأمامه امتحان صعب هو إدخال التعديلات ذلك ان عدم مشاركتهم ستعني عدم تحقيق التعديلات المطلوبة والتي من الواضح جداً ان الأميركيين يريدونها بقوة لانهم أصبحوا يعرفون الآن انه بعد عملية تقويض العراق القديم لا يمكن بناء عراق جديد دون الأخذ في الاعتبار تركيبته الاجتماعية ـ المذهبية ـ السياسية.
ويبدو أن هذا العدد الهائل من الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات قد انتج تشتتاً في الأصوات لكن الكتل الأساسية في البرلمان الجديد لن تتغير كثيراً.
وباستثناء ارتفاع حصة السنة إلى حوالى أربعين مقعداً أو أكثر وحصول الأكراد على حوالى 50 مقعداً، فإن إعادة ترتيب "البيت الشيعي" هي الظاهرة الجديدة في الانتخابات. ذلك أن "الصدريين" المشاركين هذه المرة كتيار وليس كمستقلين سيفوزون بحوالى ثلاثين مقعداً مما سيخفض من عدد نواب القوى الدينية الاخرى أي "حزب الدعوة" و"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق". وبذلك فإن ثنائية التشكيل الشيعي الديني ستتوارى لتحل مكانها "ترويكا" جديدة أكثر تمثيلاً وواقعية مما سبقها. ولا شك أن دخول "الصدريين" في العملية السياسية إلى جانب انضمام السنة، يشكل تحولاً إيجابياً كبيراً يريح الأميركيين ولكن ايضاً القوى الإقليمية العربية من جهة والسلطات التركية والإيرانية من جهة اخرى، اما القوى المدنية والمتمثلة بإياد علاوي وأحمد الجلبي، فإن حضورهما في تشكيلة البرلمان المقبل لن يغير من المعادلات الداخلية لـ"البيت الشيعي"، ورغم كل الدعم الذي يلقاه علاوي من قوى إقليمية ودولية وخاصة أميركية ورغم كل الحرب المفتوحة عربياً ضد أحمد الجلبي، فإن علاوي لا يستطيع ان يفرض نفسه أو يفرض على الائتلاف، كما أن قاعدة الأكثرية أي تحالفه مع السنة والأكراد لن تكون مثمرة لأن الجميع يعرف وفي مقدمتهم الأميركيون ان استبعاد القوى الدينية وعدم الأخذ برأي الحوزة مستحيل. فالأكثرية تمنح الحضور لكن لا تؤمن الشرعية، وهي في بلد مثل العراق أكثر من ضرورية، بل هي حتمية أو أمام هذا الواقع فإن شخص مثل عادل عبد المهدي نائب الرئيس الحالي، يصبح الأكثر حضوراً لانه يجمع بين عضويته الفاعلة في الترويكا الدينية واستيعابه للقوى والأطياف الاخرى!
هذه الانتخابات هي الأهم في العراق، ويمكن التأسيس على نتائجها ووضعها في مسار طويل يأخذ بواقع العراق وبكل متغيراته وثوابته، وإلا فإن قلب المنطقة سيبقى أكبر معسكر لانتاج واستقبال الإرهاب الأسود.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.