عودة "بابانا" إلى الجزائر، ستريح الجزائريين، لكن لن تزيل قلقهم ومخاوفهم على المستقبل ومن المستقبل، "بابانا" هو اللقب الذي منحه الجزائريون للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ولم يمنحوه للرؤساء الذين سبقوه منذ الراحل هواري بومدين. وهذا التكريم والمحبة الشعبية ليس مردهما أن بوتفليقة مريض، بل لأنه نجح في إعادة السلم الأهلي إلى الجزائر بعد العشرية السوداء ولأنه ايضاً وضع الجزائر على سكة المصالحة الشاملة بعد أن وافق أكثر من 97 % من الجزائريين على "ميثاق المصالحة الوطنية"، ولأنه ـ وهذا المهم بالنسبة للجزائريين ـ يحمل ويعمل لسحب السلطة من العسكر ووضعها حيث يجب أن تكون عند المدنيين وهذه ليست عملية بسيطة في بلد يمسك فيه الجنرالات منذ الاستقلال بكل خيوط السلطة، يحركونها من وراء الستارة رابحين غنائمها ومحملين اللاعبين المسيرين فيها غراماتها!
قلق الجزائريين مشروع، فالسؤال الذي تحكم بالشارع الجزائري طوال الفترة الحرجة لمرض بوتفليقة، وشيوع التكهنات حول حقيقة مرضه، كان وما يزال: من يُدير الجزائر؟ وهل عاد العسكر للإمساك بالدفة بشكل كامل، خصوصاً أن غياب بوتفليقة رافقه غياب وزير الداخلية يزيد الزرهوني الذي خضع لعملية جراحية صعبة لقصور في كليتيه ووجود العربي بلخير مدير الرئاسة السابق في مقر عمله الجديد سفيراً لبلاده في المغرب.
والحلقة الأدق والمثيرة أكثر لقلق الجزائريين أن الجنرال توفيق "الرجل القوي" ورفيقه الجنرال اسماعيل العماري اللذان يمسكان بالأمن منذ أكثر من عقدين، ولم يتوصل "بابانا" الى إزاحتهما كما فعل مع الجنرالات خالد نزار ومحمد العماري ومحمد التواتي في المؤسسة العسكرية، يعرفان كل أسرار كواليس السياسة الجزائرية هذا مع إمساكهما بملفات لا تحصى لكل الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية في الجزائر، والأخطر من كل ذلك أنهما في قلب ذاكرة الخوف الشعبية نتيجة لممارسات الأمن قبل العشرية السوداء وأثناءها، وهذا الحضور وهذه القوة القديمة المستندة إلى مؤسسة عسكرية فاعلة ونشطة ومؤثرة، الى درجة أنها تشكل العمود الفقري للبلاد، والتي ما زالت كما يقال "على سلاحها لم تعد الى الثكنات" دفعت بالجميع في الداخل والخارج إلى التساؤل عما إذا كان هذا الفراغ في السلطة سيغري العسكرتاريا من جديد للعودة مباشرة للإمساك بخيوط السلطة لتحريكها كما تريد. ولتصيغ المستقبل على قياسها!
هذا الخوف من المستقبل، هو الذي دفع الجزائريين لرفع حرارة ترحيبهم، بخروج بوتفليقة من المستشفى ومن شأن عودته القريبة الى الجزائر أن تطمئنهم أكثر الى أن حرب الخلافة التي استعرت في ظل الفراغ الذي وقع ستتوقف موقتاً. وخلال هذه الفترة ستخلط الأوراق من جديد. لكن ذلك سيزيد من الأعباء والمهمات الملقاة على عاتق الرئيس بوتفليقة.
"بابانا" بوتفليقة، وأياً تكن طبيعة مرضه، هو في وضع لا يسمح له كما كان يريد تعديل الدستور ومتابعة مسيرته في المصالحة والبناء في ولاية ثالثة. ولذا عليه الآن رغم أنه منذ البداية كان يسير في حقل مليء بالألغام باعتماد سرعة أكبر ابتداء من إكمال مهمته التاريخية في إعادة العسكر، كل العسكر وخاصة "مصالح" الأمن الى الثكنات والمكاتب، وتأكيد نجاح عملية "تمدين" النظام، أي وضع المؤسسات التنفيذية والتشريعية بين أيدي السياسيين. والمهمة الملحة وربما المكملة للأولى، الإسراع في تنفيذ "ميثاق المصالحة" الوطنية بعدما عرقلته الانقسامات والشروط والشروط المضادة، واستئصال الاستئصاليين من المعسكرين إذ لا خلاص للجزائر مع استمرار هؤلاء في زرع الألغام لحماية وجودهم وليس لصيانة الجزائر.
ولا شك أن طموح "بابانا" بوتفليقة في نقل الجزائر من ضفة الخوف والقلق الى ضفة السلام الأهلي المقترن بصياغة جديدة للسلطة وبسرعة قياسية، ليست مهمة بسيطة، وما لم تسارع الأحزاب والقوى السياسية الجزائرية الى الإمساك بهذه الفرصة التي توافرت لهم ومساعدة بوتفليقة من خلال المساهمة في نزع الألغام الناتجة عن اعتراضات واقعية أحياناً وضيقة في أكثر الأوقات، فإن الجزائر قد تبقى أسيرة لفترة طويلة في عنق الزجاجة!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.