نفي الأخضر الابراهيمي، ترشيح نفسه خلفاً للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لا ينفي واقعاً جديداً نشأ خلال فترة مرض الرئيس واستشفائه في فرنسا. وهذا النفي يشكل النصف الظاهر من الواقع الجزائري. أما النصف الأخير فهو حديث الجزائريين في مجالسهم المقفلة ولا يعود ذلك الى خوف وانما الى مراعاة "لبابانا" بوتفليقة العائد الى الحياة بعد تكرار اعلان وفاته مرات!
ولا شك في أن استقبال الجزائر الشعبي والحار جداً، لم يكن منظماً ولا مصطنعاً. فالجزائريون خرجوا بعفوية للقاء "بابانا". وما ذلك إلا لأن القلق حتى الخوف على المستقبل ومن المستقبل كان سائداً طوال هذا الغياب وعودته الآن تساهم في رفع هذا القلق والخوف وكان السؤال الكبير، حول من يحكم الجزائر يرادفه سؤال أكبر، وماذا لو غاب الآن بوتفليقة، من سيحكم الجزائر؟
ورداً على هذا السؤال، فتحت بورصة الخلافة في الشارع الجزائري، وكان الرأي أن ثلاثة مؤهلين لقيادة مرحلة انتقالية وهم:
الرئيس أحمد بن بلة، بما له من رصيد تاريخي يعود الى أول رئيس للجزائر وهو منذ خروجه من المعتقل الانفرادي الطويل عرف كيف يعود الى شعبه متحرراً من الحقد وروح الثأر!
الأخضر الابراهيمي وهو وزير خارجية سابق وديبلوماسي محنك ويتمتع بمصداقية دولية!
عبد العزيز بلخادم وزير الخارجية السابق وممثل بوتفليقة وهو الأقرب الى الرئيس وعلى اطلاع كامل على توجهاته.
هذه الأسماء لا تلغي اسماء أخرى في بورصة الخلافة، ودائماً على قاعدة ان يكون الخليفة يشبه بوتفليقة وقريباً منه ومن شخصيته الجانحة نحو المصالحة الوطنية.
لكن غنى الجزائر بالشخصيات القادرة على تسلم الدفة الرئاسية لم يشكل حزام أمان للجزائريين، وقد ازداد قلقهم وتعمق مع عودة العسكر الى التحرك خلف المسرح، ولذلك امتلأت شوارع الجزائر باخبار واشاعات عن تحركات للجنرالات ومنهم خالد نزار وزيارات مفاجئة للعربي بلخير السفير الحالي في المغرب الى البلاد واجتماعه بالجنرالات وهو المعروف بأنه أحد كبار "صانعي الملوك" في الجزائر.
والأخطر من عودة الجنرالات الخارجين الى التحرك، وجود الجنرالات الذين لم ينهِ الرئيس بوتفليقة خدماتهم واهمهم الجنرال توفيق مديني والجنرال اسماعيل عماري المسؤولان عن جهاز الأمن الذائع الصيت الى درجة أن الجزائريين يخشون الكلام عن ممارساته علناً.
الجزائريون يريدون الآن وبالحاح من الرئيس بوتفليقة، أن ينجز ما بدأه، ليحصن الجزائر سواء اذا ساعدته صحته على الاستمرار أو اذا اضطر للغياب أو الانسحاب. وهذا التحصين يقوم أساساً على متابعة ما تم التأسيس له وعليه. وهو استكمال المصالحة الوطنية باستعجال الاجراءات التنفيذية متجاوزاً كل الانقسامات والخلافات داخل القوى والاحزاب وما بينها. لأن في اقرار هذه الاجراءات ضمانة لتكاثر التائبين وعودتهم السريعة. ومن جهة أخرى استكمال اجراءات استعادة السلطة من العسكر وتعليماتهم من داخل الثكنات الى المدنيين ورحابة النقاشات الديموقراطية. وهذا يتطلب الآن وبسرعة إبعاد الأمن عن السياسة وترجمته الخروج الهادئ لمديني واسماعيل كما حصل للجنرالات خالد نزار ومحمد العماري ومحمد التواثي والعربي بلخير.
والامتحان ليس سهلاً، خاصة وأن الوقت قصير!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.